تقوم المظاهرات والاعتصامات اعتراضا على أداء السلطة المتدنى والمرتبك، لهذا فإنه من الطبيعى أن تكره السلطة الاحتجاجات وأن تحقد على المحتجين وتتمنى موتهم. غير أن الأمر يقف عند مجرد الأمانى عندما تكون المظاهرات حاشدة والأعداد ضخمة، فلقد تعلمت السلطة ومعها أجهزتها وأذرعها الأمنية الباطشة أنه لا قبل لهم بالجماهير الغفيرة التى تستطيع أن تدهسهم تحت سنابكها مهما بلغت الخسائر فى صفوف الجماهير.. أما عندما تكون المظاهرة محدودة العدد والاعتصام رمزيا فإن كل توحش وبدائية وغل وعدوانية الأجهزة التى هزمها الثوار تظهر وتسفر عن وجهها البشع، ويتضح للجميع حجم الكراهية التى تكنها هذه السلطة الغاشمة للثورة وللمعانى الجميلة التى يعبر عنها الشباب. لذلك فقد بُحّ صوت العقلاء مطالبين الشباب النبيل بأن لا يتظاهر ويعتصم استنادا إلى المواثيق الدولية وحقوق الإنسان التى وقّعت عليها مصر والتى تكفل الحق فى التظاهر والاعتصام والتعبير عن الرأى، ذلك أن القابضين على السلطة بالمحروسة لا تردعهم مواثيق ولا قوانين.. هم يتظاهرون أمام العالم باحترامهم لها، لكنهم فى الحقيقة لا يحترمون سوى القوة، لذلك كثيرا ما نراهم يؤكدون ويبرهنون بشكل عملى على احترامهم المعاهدات الموقعة مع إسرائيل ولا يفكرون أبدا لا فى انتهاكها ولا فى الرد على انتهاكات إسرائيل لها، أما عندما يكون الخصم مصريا ضعيفا فإنهم لا يترددون فى سحقه وإسالة دمه. لهذا فإننى أتمنى من شباب الثورة النبيل أن يحسنوا الإعداد والحشد قبل أى مظاهرة أو اعتصام بحيث تكون الأعداد كبيرة ورادعة للوحوش الذين لا يرتوون من دماء المصريين ويتحينون أى فرصة لمعاودة العدوان وسفك الدماء. وأطلب من أى نطع يعترض على هذا الكلام أو يحاول نفيه أن يفتينى ويقول لى ما كان ضر قوات الأمن ذات الأردية السوداء والقلوب الأكثر سوادا لو أنهم تركوا المعتصمين فى حالهم ولم يحاولوا فض اعتصامهم بالقوة. هل هو الحرص على سيولة المرور بالميدان؟ أى مرور وأى ميدان؟ إن غياب الشرطة المتعمد قد حوّل مصر إلى غابة وجعل الحركة على الطريق الدائرى الذى يحيط بالقاهرة، ذلك الذى الذى لا تعترضه أى إشارات أو عوائق، قد أصبحت شديدة البطء بسبب السير عكس الاتجاه الذى لا يجد من يمنعه.. فأى سيولة يتحدث عنها الجبناء؟ إن الأمر لا يعدو أن يكون فرصة ذهبية تتوفر لهم بين الحين والآخر للتسخين والإحماء فى محاولة لاستعادة اللياقة حتى لا يتعرضوا للشد العضلى عند استدعائهم لأى مقتلة أو مجزرة قادمة.. ويساعدهم إغراء الأعداد القليلة للمعتصمين وضعف وقلة حيلة مصابى الثورة الموجودين فى الميدان، على أن يقوموا بتدريب مجانى يحرزون فيه كثيرا من الأهداف عوضا عن المباريات الحقيقية التى يأخذون فيها على قفاهم على الدوام! اعلموا يا أبناء مصر الموجودين فى ميادين الثورة أن المظاهرات الهزيلة لن تؤدى إلا إلى تسجيل مزيد من الشباب فى سجلات الشهداء والمعاقين الذين يتم ضرب أهاليهم لدى أى محاولة للإتيان بحق الأبناء والقبض على قاتليهم.. فلا تفعلوا هذا بأهاليكم.. إذا أردتم الاحتجاج فلا تكونوا لقمة سائغة ولتكن تظاهراتكم بأعداد كبيرة تردع الانكشارية وقوات الجندرمة، ثم أرجوكم انسوا المقولات العبيطة مثل «هؤلاء إخوتنا وجيراننا وأولاد خالتنا» إلخ، هذا الكلام السخيف.. هؤلاء ليسوا إخوتكم ولا أهليكم.. هؤلاء هم من يبكون كل ليلة من الألم لاضطرارهم إلى وضع أحبائهم بالسجن كأنهم يتجرعون السم. هؤلاء لا ينسون أن حبيب العادلى ومساعديه وجمال مبارك وصبيانه، موجودون فى طرة بسبب العيال الأشرار المناكيد الذين لم يكفِهم ما فعلوه فى أعز الناس بأيدى أحبائهم، لكن يريدون مزيدا، وطلباتهم من العدالة والحرية والكرامة لا تنتهى. ألا لعنة الله على مبارك وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بوساخة وقلة حيا.