أمس أكمل أحمد زكى، 62 عاما، لم نتعود أن نحتفل بعيد ميلاد من رحلوا عن الحياة إلا فقط مع عبد الحليم، عندليب الغناء.. ما رأيكم أن نطفئ أيضا الشموع فى عيد ميلاد عندليب التمثيل!! فى تاريخ فن الأداء الدرامى عبر شاشة السينما لا يمكن إلا أن نتوقف بدهشة ممزوجة بالإعجاب أمام النجم الأسمر أحمد زكى، فهو أهم موهبة فى فن الأداء ظهرت فى الثلاثين عاما الأخيرة.. أحمد لم يكن فقط فنانا مبدعا، بل يشكل علامة فارقة فى تاريخ الأداء الدرامى لأنه أهم موهبة ظهرت فى العقود الثلاثة، وكان مؤثرا على كل الممثلين الذين ظهروا بعده وتستطيع أن ترى تأثيره أيضا على من بدأ قبله. لو أمعنت النظر ستكتشف أن منهج أحمد زكى قابع بداخلهم، ليسوا بالضرورة صورا منه لكنه الأستاذ الذى لم يلقنهم الدرس داخل الفصل الدراسى وإنما عبر الشرائط السينمائية القادرة عند عرضها على أن تؤكد أن الأستاذ لا يزال يمنح التلاميذ شفرة فن الأداء. أحمد زكى ممثل ملهم للمخرجين، لا شك أن أحمد لم يكن مجرد الممثل الملائم فى الأفلام التى أخرجها له عاطف الطيب ومحمد خان وخيرى بشارة، ولكنه كان أيضا الملهم لهم فى اختيار الفكر السينمائى الذى يتحمسون له!! ما سر أحمد زكى؟ نستطيع أن نقرأ مفردات الصورة ونمسك بكل جوانبها من خلال سيمفونية إبداع خماسية الأوجه والمقاطع. سعاد حسنى.. التمثيل.. الزمن.. الجمهور.. النقاد.. مفردات تبدو لى وكأنها ترسم خطوطا لملامح هذا الفنان لتعزف لنا تلك السيمفونية. سعاد.. المقطع الأول.. إنها الحلم الذى تمنى أن يقف أمامها بطل وضاع عليه اللقاء الأول فى «الكرنك» عام 75، وجاء له بعد ثلاث سنوات «متولى»، حيث لعبت سعاد دور «شفيقة» فى ملحمة «شفيقة ومتولى» لمخرج «الكرنك» على بدرخان.. سعاد وأحمد وجهان لعملة إبداعية واحدة!! التمثيل.. المقطع الثانى.. يريد أحمد زكى أن يقدم كل الأدوار.. موهبته تفيض على أى قيود من الممكن أن يحاول أحد أن يضعه فيها، إنه ليس نهرا ولا بحرا أو محيطا له شاطآن، فهو يتمرد على أى شاطئ يرسو عليه.. إنه أرض شاسعة بلا نهاية، والسماء فوقها مفتوحة بلا نهاية!! الزمن.. المقطع الثالث.. يكبر أحمد زكى.. لم يعد هو الفتى الأسمر الذى عرفناه منذ السبعينيات وحتى الثمانينيات.. امتلأ الوجه قليلا منذ التسعينيات وتغير لون البشرة إلى درجة أفتح كثيرا، واكتشف أحمد زكى فجأة أنه يحمل على أكتافه سنوات تربو على الخمسين وبدأ الشعر الأبيض يكتسب أرضا جديدة، وكان أحمد لا يزال يشعر بنهم لتمثيل كل الأدوار، طفل، عجوز، قديس، عربيد، رجل، امرأة، كل الشخصيات تشتعل بداخله بينما السنوات تتسرب سريعا من بين يديه، وقبل أن ينفد رصيده من الحياة بأيام قلائل قرر أن يتحدى الرحيل فتعاقد على أن يلعب بطولة خمسة أفلام!! الجمهور.. المقطع الرابع.. لو كان ممكنا لفعلها إنه يريد أن يجلس إلى 70، بل قل 300 مليون ناطق باللغة العربية.. إنه يتمنى من كل واحد منهم جلسة صداقة خاصة، حتى يتأكد مباشرة أنهم يصدقونه ويصادقونه.. وآه لو اكتشف أن هناك واحدا فقط من بينهم ليس على الموجة.. إنه يضيع عليه بهجة ال300 مليون!! النقاد.. المقطع الخامس.. شد وجذب، فهو قارئ نهم لكل ما يكتب عنه وعن غيره.. علمته الأيام أن يتسامح مع كل الآراء ولم يكن كذلك فى بداية المشوار، وليس معنى التسامح أن تقبل الرأى الآخر ولكن أن تتقبله.. وهكذا كنت أراه فى السنوات الأخيرة أكثر مرونة وتقبلا لكل الآراء. سعاد.. التمثيل.. الزمن.. الجمهور.. النقاد.. خمسة محاور أو مقاطع رسمت ملامح أحمد زكى إبداعيا.. إنه شاعر المطحونين وترمومتر الموهوبين فهو الوجه الذى يتوحد مع البسطاء والمهمشين، وهو أيضا النجم الذى تقاس من خلاله كل المواهب الأخرى فى فن الأداء بمدى اقترابها وابتعادها عن مؤشر أحمد زكى الإبداعى وحتى الآن.. إنه الفنان الذى رأى فيه الناس ملامحهم على الشاشة ولا يزال أحمد يعيش بيننا، منحته الفضائيات عمرا دراميا لا يعرف الغياب، فلقد كان معنا ونحن نطفئ شموع ميلاده!!