تستطيع أن ترى فى علاقة ياسمين الخيام بالفن موقفا سياسيا عندما دعمتها جيهان السادات وأنور السادات فى ظل حكايات ملتبسة بين جيهان وأم كلثوم، وتستطيع أن ترى أيضا فى اعتزالها الغناء بكل أطيافه (العاطفى والوطنى والدينى) وارتدائها الحجاب بناء على نصيحة الشيخ متولى الشعراوى، موقفا سياسيا آخر عاشته فى زمن مبارك، فهى محسوبة بقوة على زمن وبيت وعائلة السادات. شاهدت لقاءها على قناة «التحرير» الذى أجراه أحمد أبو هيبة، وكثير مما ذكرته ياسمين، سبق أن باحت به فى حوارات سابقة، إلا أنها هذه المرة كانت فى حالة فضفضة بلا خوف، خاصة فى الحديث عن جيهان.. كانت ياسمين تدرك فى زمن المخلوع مثلما كان الجميع يدرك أن فى مصر سيدة أولى ولا يجوز أن يذكر بجانبها اسم سيدة أخرى، خاصة أنها كانت قبلها تحمل لقب سيدة مصر الأولى.. ليس هذا فقط، بل إن ياسمين كانت تعرف أن أنور السادات ينبغى أن تتم الإشارة إليه على استحياء! ابتعدت ياسمين بعد نحو عشر سنوات من حكم مبارك، لأن الإعلام الرسمى، وكان هو المسيطر على المشهد بمفرده فى تلك السنوات لم يكن يرحب بها.. وجهها وصوتها يستدعيان على الفور عهد السادات وجيهان.. كانت ياسمين تدرك بالطبع أن الترحيب المبالغ فيه الذى لاقته فى عهد جيهان انقلب إلى خصومة مبالغ فيها فى عهد سوزان! هل كانت العلاقة المتوترة بين جيهان وأم كلثوم، والتى بالمناسبة كثيرا ما نفتها جيهان، هى السبب وراء البحث عن مطربة بديلة تصبح وجها لمصر؟ الحقيقة أن أم كلثوم رحلت فى 3 فبراير 1975 وياسمين بدأت احتراف الغناء بعد هذا التاريخ، أى أن البحث عن صوت بديل لم يكن هو الهدف.. إلا أن الحقيقة أيضا هى أن أم كلثوم لم تكن تحظى برضى من عائلة السادات، مثلما كانت لها تلك المكانة الخاصة أيام عبد الناصر. النظام دائما يبحث عن الفنان الذى يشبهه وقد ترى فى محاولات مبارك لاختراع مطربة بدأت مع آمال ماهر ثم ريهام عبد الحكيم شيئا من هذا، مع العلم بأن كلا من الصوتين يحمل جمالا، خاصة آمال التى تطورت كثيرا فى السنوات الأخيرة، إلا أن النجومية والتواصل الجماهيرى قضية أخرى.. فهل كان مبارك يبحث لا شعوريا عن أصوات مثله بلا كاريزما؟! نعود إلى ياسمين التى روت الكثير، ولكن هناك حكاية أراها ناقصة متعلقة بقصيدة «عشقناك يا مصر» التى كتبها فاروق جويدة ولحنها العبقرى محمود الشريف، والتى أكدت ياسمين أنه كان معتزا بكرامته ولا يشارك فى الزفة الغنائية، ولهذا كان متعثرا حتى عن دفع إيجار بيته.. كنت قد عرفت الموسيقار الكبير واقتربت منه فى مرحلة قريبة من ذلك التاريخ، وكل ما ذكرته ياسمين صحيح، ولكن هناك موقفا عاشه هذا الفنان عندما أنهى قصيدة «عشقناك يا مصر» بوضع اسم السادات.. كنت فى بيت الشريف شاهدا على تلك المكالمة الغاضبة من جويدة الذى كان لم يبلغ الثلاثين بعد.. اعترض جويدة على إضافة اسم السادات للقصيدة وطالب بحذفه بعد أن علم أن الأغنية تم تسجيلها.. التليفونات مراقبة وجويدة شاعر وأيضا صحفى فى جريدة «الأهرام»، كل هذا لم يثنه عن إعلان الغضب اعتبرها جويدة خيانة لموقفه الشعرى وربما أيضا السياسى. لم يسبق لجويدة أن ذكر التفاصيل، كما أن القصيدة كما قالت ياسمين ليست محتفظة بها فى الأرشيف حتى نتأكد من حذف الاسم بعد اعتراض جويدة.. ويبقى الأمر الأهم بالنسبة لى وهو العبرة من هذا الموقف الذى يصلح أن تعتبره شهادة لشاعر كان وقتها شابا رفض أن يغنى لرئيس كانت لديه إنجازاته، إلا أن الشاعر انحاز لمبدئه.. من الذى أضاف اسم السادات، ياسمين أم الشريف، أم هما معا؟ ليست هذه هى القضية فلا أتصور أن ياسمين من الممكن أن تقول إنها هى التى أضافت، ولكن الأهم أن هناك من قال لا لرئيس جمهورية يملك كل شىء، بينما هو لا يملك سوى موهبته.. هذه الحكاية التى قد يراها البعض عابرة، أراها الآن حاسمة وكاشفة وفاضحة لمن غنوا لمبارك ويقولون الآن كنا مجبرين؟!