أعد الملف: محمد هشام عبيه هو أكثر سبة يمكن أن تجدها على لسان المصريين، بل لعل كثيرًا من الآباء يأتيه شعور غريب من الفخر فور أن يستطيع ابنه الصغير ذو السنوات الثلاث أن ينطق كلمة «الحمار» صحيحة، بعدما كان يقولها قبل ذلك «الحمال»، وترادف كلمة الحمار عندنا معنى كلمة الغباء وعدم الفهم، وهى تهمة ظالمة نلصقها بالحمار، الذى يتميز بالذكاء والقدرة على الفهم والاستيعاب السريع على عكس الشائع (مين حمار بقى قال عليه إنه غبى). والحمار (يعيش ما بين 20 و30 عاما) هو أكثر الحيوانات فى مصر تعرضا للإيذاء والإهانة، وكأنه يتحمل كل القهر الذى يعانى منه المواطن المصرى. في الحياة حمّال أسية المصريين تجد العربجى من هؤلاء الذى يقود عربة كارو يجرها حمار يرفع يده التى يمسك بها عصا من الخيرزان القوى إلى أعلى مدى لها حتى إنها تكون مع جسده زاوية قائمة، ثم يهوى بها، بمناسبة أو دون، بكل قوته على ظهر الحمار المسكين، الذى لا يملك حتى حق التأوه من الوجع. والحمار من فصيلة الحيوانات أحادية الحافر، عيناه كبيرتان، وأذناه طويلتان، حاد البصر، يتمتع بحاستى شم وسمع قويتين، والحمير نوعان وحشى أو أليف، الوحشى هو ذلك المخطط بالأسود، الذى كنا نراه على تترات برنامج «عالم الحيوان»، وهو يتحرك فى جماعات، شديد الحذر وسريع الحركة، ويعيش فى المناطق الحارة والجافة فى شرق إفريقيا، ويتغذى على النباتات الجافة والشوكية، أما النوع الأليف فهذا هو الذى تراه مسكينا مُطأطأ الرأس فى مصر، وهو ينتشر فى كثير من مناطق العالم، وإن كان هناك بعض الغموض حول أصله الذى يرجعه البعض إلى الحمار الوحشى الإفريقى، وقد ظهر الحمار على رسومات بعض المعابد التى شيدها الفراعنة منذ أكثر من ألفى عام. أفضل أنواع الحمير هو «الحصاوى»، فهو أكثرها قدرة على المشى لمسافات طويلة، حاملا عددا ضخما من المتاع، وتعود تسميته بهذا الاسم إلى منطقة «الإحساء» بالسعودية، وطبعا تولى المصريون تغيير الاسم من «الحساوى» إلى «الحصاوى»، فلربما استشعروا فى الاسم الأول دلعا لا يليق بالحمار. فى الريف المصرى فإن للحمار أهمية كبرى، فهو وسيلة انتقال وركوب أساسية رخيصة وآمنة، رغم غزو التوك توك مؤخرا، كما أنها تستخدم لنقل كثير من حاجيات الفلاحين من تبن وأعلاف وأجولة الأرز والقمح والشعير وغيرها، وفى السابق لم يكن من المتصور أن يذهب «ناظر الأرض» إلى عمله، دون أن يكون قادما على ظهر حمار أصيل وبصحة جيدة، أما الآن فيمكن أن يفعلها ناظر الأرض، ويذهب إلى متابعة أعماله على عجلة أو موتوسيكل، ويفضل بعض الفلاحين الحمار عن الحصان عندما يتعلق الأمر بجر العربات الكارو، رغم أن الحصان أكثر قوة، فإن الحمار أكثر صبرا وقدرة على تحمل الظروف القاسية. ناهيك بأن يستطيع أن يحمل أو يجر أضعاف وزنه. فى المدينة يقل الاعتماد على الحمار فى الأحياء الراقية، وبالطبع لا يمكن أن نتخيل أحدها يتجول فوق ظهر حمار فى مصر الجديدة بالقرب من القصر الجمهورى. (سوفاج خالص)، بينما لا يزال عديد من الأحياء الشعبية فى القاهرة وغيرها من المدن الأخرى تعج بالحمير التى تجر عربات خشبية تم تقفيلها لتتحول إلى أوتوبيس بدائى، يحمل أكثر من 12 فردا وأكثر وينقلهم فى حدود الحى بيسر وبتكلفة رخيصة. وسعر الحمار فى السوق المصرية الآن يتراوح ما بين 500 و2000 جنيه، وذلك على حسب السن وحالته الصحية ومميزاته، وهل يعانى من إصابات أم لا، وإذا كنت تنوى شراء حمار فى القريب (أهو استثمار برضه) فعليك أن تنتبه إلى رجليه الأماميتين، لترى هل هما مشدودتان ومستقيمتان وغير قابلتين للانحناء أم لا؟ لأن هذه الصفات عيوب خطيرة فى الحمار وتقلل كثيرا من ثمنه لأنه فى هذه الحالة يتعثر فور أن يتحرك من مكانه لأن انحناء المفاصل، هو الذى يتيح له سرعة الحركة مع الاتزان فلا يقع، أيضا كلما مال لون الحمار إلى الأبيض دل ذلك على صحة حاله وقوته فيرتفع ثمنه (يعنى لو طلبوا فيه 2000 جنيه ادفع متخافش).والبردعة التى يضعها كثيرون فوق ظهر الحمار حتى تجعل من جلستهم فوقه أكثر راحة وليونة يتراوح ثمنها ما بين 25 و150 جنيها على حسب الخامات المستخدمة فيها، التى قد تكون غالية الثمن فعلا، وقد لا تزيد على قطعة أسفنج عادية (أنت وذوقك بقى). ولا يوجد طعام محدد للحمار، فهو يأكل أى شىء مثل الحشيش والتبن والبرسيم، لكن إذا كنت تحبه بالفعل وتريد الحفاظ على صحته، فعليك أن تطعمه فى فصل الصيف مزيجا من الرجيع والدريس، بينما يتربع البرسيم على عرش الطعام المفضل للحمار فى فصل الشتاء. عضة الحمار قوية وخطيرة جدا مثل عضة الكلب وعلاجها بنفس حقن التيتانوس، والحمار فى الأغلب أمين ويحب صاحبه ويحافظ عليه، ولا يرضى أن يركبه سواه، وربما يرفس أو يعض من يقترب منه إذا لم يكن صاحبه أو قريبا منه.. (يعنى الحمار أوفى من صاحبك اللى باعك أول ما البنت بسنت بسبست له) هاه.. فكرت تشترى حمار ولا لسه؟! فى القرآن نعمة ومثالاً وصوتاً منكراً ذُكر الحمار فى القرآن الكريم فى أكثر من آية، ومنها {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: 5]، وفيها يتحدث الله سبحانه وتعالى ذاما اليهود، الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها، فلم يعملوا بها، مثلهم فى ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا، أى: كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدرى ما فيها، فهو يحملها حملا حسيا، ولا يدرى ما عليه. وكذلك هؤلاء فى حملهم الكتاب الذى أوتوه، حفظوه لفظا ولم يفهموه ولا عملوا بمقتضاه، بل أوّلوه وحرّفوه وبدّلوه، فهم أسوأ حالا من الحمير. {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] وفيها يتحدث الله سبحانه وتعالى عن النعم التى خلقها للإنسان، التى وجدت لإفادته، ومنها الخيل والبغال والحمير. وذُكر الحمار فى موضع آخر، وهو {وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] ويتحدث فيها الله سبحانه وتعالى عن آداب ينصح بها لقمان الحكيم ولده، ومنها أن لا يرفع صوته، لأن أنكر الأصوات وأقبحها هو صوت الحمير. كما ذُكر فى فى سورة البقرة فى الآية، «أَوْ كَالَّذى مَرَّ عَلَى قرْيَةٍ وهىَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أنَّى يُحْيِى هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَومًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلنَجْعَلَك آيةً للنَّاسِ» البقرة (259).