فى ليلة العيد سمعت الهتاف: يسقط يسقط حكم العسكر. سمعته وسط صخب الاحتفالات والرغبة الباحثة عن البهجة. أصبح الهتاف جزءا من محاولة الانتصار على كل أثقال الحياة، يهتف بها أطفال مدارس، وفى مدرجات كرة القدم. وعى جديد يتحرر من ثقل السلطة، ويتحدى الوعى المفروض من أسلحة البروباجندا المستعارة من مبارك ومن قبل مبارك. رفض جمهورية العسكر يتسع، ودون أفكار سياسية مباشرة تتفكك أسطورة انتظار الجنرال القوى. لم يعد مقنعا أن تسأل أسئلة خاطئة من نوع: ما بديل المجلس العسكرى؟ لا نبحث عن بديل للمجلس، لكننا لا نريد أن يكون المجلس بديلا لمبارك.. نريد أن يعمل المجلس فى إطار إدارة المرحلة الانتقالية، ويدرك أنه عابر وأنه لا يحكم بل يتحمل مسؤولية انتقال السلطة. وكما لم يكن هدف الثورة كما يروج أراجوزات الفضائيات كسر شرطة، ولكن تحريرها من عقلية خدمة المستبد.. ونفسية المملوك الذى يقتل فى سبيل سيده، يقتل أى شخص ويهين من لا يملك قوة. الثورة حررت الشرطة، ولم تكسر سوى جناحها التسلطى والمستبد، وبالنسبة إلى المجلس العسكرى لا نرفضه لأنه يمثل الجيش، لكن لأنه يتعامل كما لو كان مجلس وراثة العرش المستبد. يتخيل البعض أن البلد هو التليفزيون، وأن الشعب يسمع كلام مدحت شلبى أو غيره من ميليشيات تلعب أدوارا من خلال شاشة التليفزيون، أكبر معارك هذه الميليشيات كانت بعد مباراة الجزائر الشهيرة فى أم درمان. هذه الميليشيات استخدمت كل أسلحة الشحن تجاه «العدو» الجزائرى ليقف الشعب خلف الرئيس وعائلته فى محاولة لصنع وطنية جديدة يقودها جمال وعلاء مبارك كانت تحاول صناعة النصر فى ملاعب الكرة لتحصل به على شعبية أو شرعية. خدعة الجزائر كشفت وكان من المفترض أن تسرح هذه الميليشيات، خصوصا بعد اكتشاف بجاحتها وابتذال خطابها... لكن يبدو أن هناك من يحتاجها.. ويريد استغلال تسلية الجمهور العريض بهذه الاستعراضات المبتذلة. نعم لا بد من الاعتراف بأن للابتذال جمهورا هو نفسه الذى يستمتع بالفرجة على معارك البلطجية وحكايات القوادين والعاهرات.. لكنه استمتاع بالتسلية ومداعبة جوانب خفية فى النفس البشرية. هل هذا الخطاب المبتذل يمكن أن يصنع وعيا؟ أم أنه يكتفى بتحريك الغرائز؟ أى شكل للوعى ينتج عن متابعة برامج مدحت شلبى أو أشباهه؟ إنه وعى كان يصدق أن معركة مصر مع الجزائر أو أن هويتها الوطنية يمكن أن تشكلها دموع علاء مبارك الشاكية أو إشارات جمال مبارك الحاشدة للغضب والعدوان. هذا وعى ينشر الخوف من وعلى السلطة.. وكل من يقف ضد السلطة هو هادم للدولة.. وفى الحقيقة إنه خوف على سبوبة مصالح وسير فى ركاب السلطة التى تضع مقدرات الرياضة فى يدها باعتبارها مروضة الجماهير. خطاب مدحت شلبى وأشباهه مفضوح لكنه يمر من خلال وجبة المتعة مع كرة القدم.. فيبدو العقل المنتظر لشىء يحبه تحت تأثير خطابات معادية للتغيير وتروج للخضوع للأمر الواقع. اللجوء إلى مقدمى البرامج الرياضية كان ذكاء كبيرا من مجموعة جمال مبارك لأنهم يمررون دعايتهم وسط وجبة المتعة.. رسائل تربط بين السلطة والرياضة فيصبح الرئيس هو حامى المنتخب الوطنى وجمال وعلاء أيقونات النصر. مدحت وأشباهه كانوا فى طليعة ميليشيات التطبيل لجمال مبارك، والآن أخرجوا آلاتهم ضد الثورة بعد لحظات صمت كانوا يستكشفون فيها اتجاهات الرياح الجديدة.. ودورهم كان تمرير جمال فى الوعى الشعبى أو كواقع لا تفكير فيه. والآن يتفرج جمهور على هذه النوعية برغبة فى التسلية، بينما يتكون الوعى بخطابات أخرى تماما.. وميليشيات التطبيل تتحرك متبرعة أو مدافعة عن مصالحها.. بمنطق الدفاع الأخير عن الموقع الذى تعرض لخطر طبعا بإزاحة فرع العصابة المختص بشؤون الرياضة. التسلية ببرامج مدحت شلبى إلى أين ستنتهى؟ هل نشر الابتذال التليفزيونى مثل القنابل الدخانية لا يحقق انتصارا للسلطة لكنه ينشر مناخا خانقا تعمل فيه السلطة براحتها؟ بالتأكيد يسعد المستشارون الإعلاميون للمجلس ببرامج مدحت وشركاه.. يشعرون بالانبساط منها وتنال رضاهم.. لا تزعجهم كما أزعجتهم قنوات أغلقوها أو هددوها أو دخلوا بالرشاشات صالة استوديوهاتها. يتصورون أن برامج الابتذال الرياضى يمكنها أن تصنع وعيا شعبيا مساندا للمجلس.. ولا يعرفون أن الوعى الشعبى يحتفل كل يوم بإسقاط حكم العسكر من الوعى المشحون بالخوف من الكاكى... خوف يكاد يحتل كل مساحة المحبة القديمة.