دون جنازة شعبية ولا مسيرة ولا هتافات قامت الأسرة بدفن ابنها، أصر خال عاطف على خروجه من الدمرداش مساء الثلاثاء بعد أن تأكد من أن روحه فارقت جسده ونقله إلى حيث مقابر الأسرة فى الحوامدية، كان معه ثلاثة أصدقاء، باقى أصدقائه حاولوا اللحاق به فمنعهم زحام الشوارع، فاكتفوا بتشييع جثمانه على «الفيسبوك» و«التويتر». عاطف أصيب بطلق نارى بعد تفريق مظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية يوم 15 مايو. هل تذكرون تلك المظاهرة التى ظهر فيها الوجه العنيف للشرطة العسكريه؟ هل تذكرون الضابط الذى أصر على تركيع شباب المتظاهرين، وسبهم بألفاظ مهينة؟ وقتها كان الشباب المتوجه إلى السفارة يرغب فقط فى توجيه رسالة إلى العدو الصهيونى معناها أن مصر الثورة تعاديك وأن مصر الثورة تساند الانتفاضة الفلسطينية، ووقتها كان هذا الشباب يكنّ كل تقدير واحترام لكل فرد من أفراد الجيش، ويومها فوجئ الجميع بكم العنف الذى وُجه ضد المظاهرة، حتى إن عاطف أصيب بالرصاصة فى رأسه على بعد مسافة كبيرة من السفارة، تحديدا بجوار فندق «فور سيزونز» فى شارع مراد. قيل وقتها من أشخاص وطنيين مخلصين: «الشرطة العسكرية أعلنت أنه لم يُستخدم الطلق الحى أصلا فى هذه المظاهرة، والمنطقى أنهم لو استخدموا الطلق الحى لكان قُتل وأصيب عشرات لا هذا العاطف فقط». وكنت أرد: «فيه شاب آخر أصيب فى أمعائه، واستطاع أهله أن ينقذوه، وخافوا من المطالبة بحقوقه. ونحن لم نطلب إلا التحقيق لمعرفة من الذى أصاب عاطف، لم نصدر أحكاما ولكن من حق الإنسان أن يعرف على الأقل من أصابه فى مقتل». بعد إصابة عاطف بأسبوع كانت حالته الصحية بين الحياة والموت، كان الأطباء يرون أن الأمل فى شفائه غير منعدم لكن بشرط توفر عناية طبية قوية، فكانت معركتى الشخصية كيف أسهم فى توفير هذه العناية الطبية، لأكثر من شهر كنت مع أطباء وهيئة تمريض رعاية الجراحة فى المستشفى الفرنساوى نكافح تلوث أو تسمم أصاب دمه كله وتسبب فى تعطيل أجهزة جسمه الواحد بعد الآخر، كانت درجة حرارته تستمر فوق الأربعين لأيام متتالية فيظل الممرض طوال ورديته واقفا بجوار السرير يضع كمادات الثلج على جسده كله، وبمجرد أن تصل إلى 38 درجة كان يفتح عينيه ويتكلم بهما، كان الأطباء يقيسون درجة الوعى بطرقهم فيحسبونها أقل كثيرا مما يحسبه الممرضون، الذين أصبح بينهم وبين عاطف لغة خاصة يستخدم فيها إشارات عينه وأطراف أصابعه. كنت فى هذا الشهر أبحث عن تمويل لعلاج عاطف فى المستشفى الفرنساوى، حتى نجحت فى النهاية فى الوصول إلى أن يتحمل المستشفى أكثر من خمسين ألف جنيه باعتبار عاطف من مصابى الثورة. وقتها فقدت اهتمامى بالاتهام والتحقيق. بعدها تركت مهمة عاطف لمجموعة من سيدات المجتمع المدنى، فقمن بنقله إلى مستشفى الجلاء للقوات المسلحة، وتحملن تكاليف علاجه هناك، ثم إلى دار «المنى»، وهى مكان يقدم رعاية طبية فائقة للتأهيل والعلاج الطبيعى، وكنت أتابع أخباره من بعيد. تحسنت حالة عاطف تحسنا غير متوقع، وعاد إلى بيته وبدأ يتحرك قليلا ويتعرف أصدقاءه وأقاربه ويتفاعل معهم. لكن كان يُصاب بنوبات من ضيق التنفس بسبب ضيق فى القصبة الهوائية نتج عن وضعه على جهاز التنفس الصناعى لفترة طويلة. فى مستشفى الدمرداش أجريت له جراحة توسيع وتركيب دعامة، لا أعرف إن كان أصيب مخه بنقص أكسيجين فى أثناء الجراحة أم قبلها، المهم أنه عاد إلى غيبوبة أعمق من الأولى، وظل فيها طوال الشهر الماضى، ثم رحل.