لم تنتظر تونس أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية لانتخابات المجلس التأسيسى، ففى الوقت الذى استمرت فيه اللجنة بتأجيل إعلان النتائج النهائية يوما بعد يوم إلى أن أعلنتها، مساء أول من أمس، بدأ الحديث عن الأسماء المرشحة لتولى رئاسة الحكومة وأخرى للرئاسة، بينما يتواصل الحديث عن وجود اتفاقات وتحالفات سرية بين قيادات الأحزاب الفائزة فى الانتخابات، وفقا للنتائج الأولية لتقاسم المناصب بشكل يرضى جميع الأطراف. فخرج أمين عام حزب حركة النهضة حمادى الجبالى، ليعلن أنه مرشح حزبه لرئاسة الحكومة القادمة، معتبرا ذلك أمرا بديهيا باعتبار أن الأمين العام للحزب الفائز بالأغلبية فى كل ديمقراطيات العالم يتولى رئاسة الحكومة، قبل أن تعلن النتائج النهائية بفوز النهضة ب41% من المقاعد، أى 90 مقعدا من أصل 217، بينما جاء تمثيل المرأة فى المجلس بنحو 49 مقعدا، منها 40 مقعدا ل«نهضويات». كذلك طرح الجبالى بعض الأسماء التى رشحتها الحركة لتولى منصب رئيس الجمهورية المؤقت الذى سيعينه المجلس التأسيسى المنتخب، وجاء فى مقدمة تلك الأسماء الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات مصطفى بن جعفر، والمنصف المرزوقى رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، بينما تداولت بعض الصحف أسماء أخرى قد تكون من بين المرشحين لرئاسة الدولة، مثل رئيس الوزراء فى الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها الباجى قائد السبسى، بينما طرحت أسماء أخرى مثل أحمد المستيرى المعارض التاريخى لبورقيبة. وفى الوقت الذى يحاول فيه الجميع توقع وتنبؤ شكل الحياة السياسية الجديدة فى تونس، يواصل حزب النهضة الذى تحول مقره إلى خلية نحل تصل الليل بالنهار العمل، حيث ينتشر قياديو الحزب وممثلوه فى الإذاعات والصحف التونسية لإجراء اللقاءات الصحفية والمقابلات التليفزيونية، أما الهدف فيبدو أنه محاولة لطمئنة كل من أصابه القلق على الحريات العامة والمدنية التونسية. وقال نور الدين البحيرى القيادى فى الحركة لصحيفة «الشروق التونسية» فى حوار مطول، إن مشروع الدستور الذى تقترحه الحركة يتضمن إصلاحا شاملا، سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، كما أن الدستور الذى تقترحه النهضة يتضمن تأكيد طبيعة الدولة، وكونها دولة مدنية السيادة، من خلال انتخابات حرة ونزيهة ونظام جمهورى حقيقى يضمن تداول السلطة بشكل سلمى، كذلك يحمى الدستور المقترح استقلال القضاء وحرية الإعلام وعمل منظمات المجتمع المدنى، إضافة إلى احترام حقوق جميع التونسيين والتونسيات وضمان حرياتهم الشخصية. أما المرأة التونسية، فتساؤلاتها تجاه «النهضة» تحتاج إلى إجابات أيضا: فهل ستفقد حريتها؟ هل سترغم على ارتداء الحجاب؟ هل سيتمكن الرجل التونسى الذى يمنعه القانون الحالى من الزواج بأربع نساء فعل ما يحرمه منه القانون؟ فكل تلك الأسئلة تزاحمت وشغلت أذهان نساء كثيرات منذ أن تأكد فوز حركة النهضة بأغلبية المقاعد فى المجلس التأسيسى. وللإجابة عن تلك التساؤلات، نساء النهضة خرجن لطمأنة النساء التونسيات، فخرجت سعاد عبد الرحيم رئيس قائمة حركة النهضة فى دائرة تونس 2، «وهى غير محجبة» لتقول فى ندوة صحفية إن الحركة لن تقترب من حرية المرأة، كما أنها لن تسعى إلى تهميشها وإقصائها، لذلك فإن مخاوف المرأة التونسية ليست فى محلها، وعليها أن تعى أن تلك الأفكار كانت فزاعة بن على، وللأسف لم يتوان بعض الخصوم السياسيين عن استعمال فوبيا النهضة، لكن رغم ذلك فإن معظم الشعب التونسى كان على درجة كبيرة من الوعى والنضج، فاختار وقال كلمته. وبعيدا عن محاولات النهضة لطمأنة التونسيين، والتقسيمات السياسية بين الأحزاب الفائزة، ينشغل الجو العام السياسى فى تونس حاليا بتساؤل يحاول الجميع البحث عن إجابة له، أما السؤال فهو «أين ذهبت أصوات (التجمعيون) (نسبة إلى حزب التجمع الحاكم فى النظام المخلوع)»؟ فالانتخابات الأخيرة منحت كثيرا من الأسماء المحسوبة على نظام بن على مقاعد فى المجلس التأسيسى، خصوصا حزب العريضة الشعبية الذى يرأسه الهاشمى الحامدى رجل الأعمال التونسى المقيم فى لندن. فهذا الرجل أصبح حديث الشارع التونسى بشكل لافت، ما بين السخرية والغيظ، بين سياسيين وصحفيين ونشطاء، وبين سائقى التاكسى والجالسين فى الأوتوبيسات وعلى المقاهى. فالكل مندهش من النتائج التى حققتها العريضة الشعبية التى أصبحت الآن فى المركز الرابع من حيث نسبة الاستحواذ على الأصوات فى الانتخابات الأخيرة، حيث حصلت قوائم العريضة الشعبية على 26 مقعدا من أصل 217 فى المجلس التأسيسى، قبل أن تعلن اللجنة المستقلة، أول من أمس، تراجع حصتها فى المجلس بعد أن ثبت وقوع تجاوزات فى أثناء العملية الانتخابية، ليتم إسقاط قوائم العريضة فى 6 دوائر من 22 كانت العريضة قد فازت بها، ليصبح عدد مقاعدها 19 مقعدا. فعديد من التونسيين لم يستوعبوا بعد حصول قوائم العريضة الشعبية التى يرأسها الهاشمى على نسبة عالية فى المجلس التأسيسى، خصوصا أن كل التوقعات والاستطلاعات التى سبقت الانتخابات لم تبرز اسم قائمة الهاشمى ضمن القوائم المرشحة لتحقيق نجاحات فى دوائر الانتخابات. والأسئلة التى يرددها التونسيون من المنتمين إلى الأوساط الصحفية والسياسية تدور حول «كيف نجح الهاشمى فى سرقة عقول الناخبين، ليس فقط فى مسقط رأسه سيدى بو زيد، بل فى عدد آخر من الولايات (المحافظات) مثل صفاقس وسوسة وباجة؟». فصاحب قناة «المستقلة» التى تبث من لندن، معروف بتصريحاته المستفزة والمضحكة فى بعض الأحيان، ولا ينسى له التونسيون ما قاله قبل الانتخابات «هل سأستقر بقصر قرطاج أم فى حى التضامن؟» أى فى القصر الرئاسى أم فى أحد الأحياء الفقيرة؟! وما أكدته مصادر عديدة ل«التحرير» هو أن أحدا لن يستطيع أن يجد له «ملة» سياسية، ففى بداياته كان من أبناء حركة النهضة، وكان يصب هجومه السياسى على المعارضين الليبراليين واليساريين، لينشق فى ما بعد عن النهضة، ويبدأ فى سب الإسلاميين، لينتهى به المطاف فى أحضان نظام بن على، حيث أصبح من كبار الموالين له والمسبحين بحمده، فخصص قناته للحديث عن بن على «الأب» الذى يعشقه التونسيون لحكمته وديمقراطيته، بينما لا يتوقف تمجيده للسيدة «الفاضلة» ليلى الطرابلسى، كما يحلو للهاشمى وصف قرينة الرئيس المخلوع. أما عن محاولات تفسير هذا النجاح المفاجئ للهاشمى، فخلصت إلى أن القبلية ووعوده للفقراء هما السبب الرئيسى فى ذلك النجاح، إلى جانب الحصول على أصوات «التجمعيون» الباقين من نظام بن على، فبرنامج الهاشمى الاقتصادى وعد العاطلين عن العمل ب200 دينار شهريا، والتأمين الصحى المجانى. والحقيقة أن الحملة على الهاشمى الحامدى ليست وليدة النتائج الانتخابية التى حققتها قوائمه، بل إنها بدأت منذ أن تحدث عن استعداده لرئاسة الجمهورية، وقبل ذلك كانت الصحف والنقاشات على موقعى «فيسبوك» و«تويتر» تتعامل مع تصريحات الهاشمى من باب الطرافة، ولا تأخذ مواقفه وتصريحاته مأخذ الجد، حتى فاجأ الجميع بتحقيق نتائج فاقت أغلب الأحزاب التى كانت تتصدر الساحة السياسية، وأصبحت قوائمه فى المركز الرابع بعد حزبى النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات.