كان من الرائع عقد ندوة تحت عنوان «الربيع العربى وتأثيره على السينما» فى إطار الدورة الخامسة لمهرجان أبو ظبى، فثورات العرب صارت تطاردهم فى كل الأماكن.. يهرب منها أعداؤها خارج بلادهم، لينسوا بشاعة مواقفهم منها، فيلتصق بهم موقفهم المخزى أكثر وأكثر، ويقبل عليها المنحازون إليها، فتعلو قاماتهم أكثر. فى ندوة «الربيع العربى وتأثيره على السينما» حضر المصريان خالد أبو النجا وعمرو واكد والسوريان نبيل المالح وهالة العبد الله والتونسى حبيب عطية.. وجميعهم نجوم وفنانون عرب ممن ساندوا ثورات بلادهم، واتخذوا مواقف مشرّفة من أنظمة تقتل شعوبها. أدار الندوة الناقد المغربى مصطفى المسناوى، ودارت المناقشة حول السينما فى ما بعد تفجر الثورات العربية، وما الأعمال السينمائية المتوقع إنجازها فى ظل مناخ مختلف، بالتأكيد سيفرض سيطرته على المبدعين، وتطرق النقاش إلى تعامل الفنانين أنفسهم مع الثورات فى بلادهم، وقد اتفق الجميع على أن حياد الفنان فى مثل هذه الأحداث ليس أقل من جريمة حقيقية، فالفنان مِلك للناس.. يتحدث بلسانهم وينحاز إليهم فى المواقف الصعبة، وليس من الرائع، كما أكدت المخرجة السورية هالة العبد الله، أن يصبح الناس أسبق فى طلب التغيير من الفنان نفسه، فإذا قرر الناس التغيير، فإنه من العار أن لا يكون الفنان إلى جوارهم. وحول شكل الحياة فى تونس ومصر بعد معايشة البلدين ثورتين كبيرتين، أكد خالد أبو النجا أن الحراك الاجتماعى ما زال فى نفس سخونته، وأن القادم بالتأكيد سيكون أفضل، كما أكد عمرو واكد أن السينما فى مرحلة ما بعد الثورة لن تستسلم كثيرا لسطوة النجوم، وأن السينما المستقلة ستخلق لنفسها مكانا جيدا فى المستقبل القريب. عمرو واكد رفض تماما أن يكون الفنان حياديا فى وقت المحن التى يمر بها الوطن، وأيّده خالد أبو النجا بتأكيد أنه ممنوع على الفنان أن يكون حياديا فى مثل هذه الأوقات، بينما قالت المخرجة هالة العبد الله إن بعض الفنانين السوريين لم يكتفوا بالحياد، رغم أنه مخزٍ، ولم يكتفوا بالصمت رغم أنه عار، إلا أنهم قرروا أيضا لعب دور رجال الأمن. كانت الندوة رائعة والآراء فيها تملأ النفس حماسة وفخرا، وكانت آراء بعض السينمائيين والصحفيين على الجانب الآخر، التى قالوها فى أروقة المهرجان وبعيدا عن الأضواء، تصيب مصريين آخرين بالخجل من فرط كراهيتها للثورة ومن فرط الكلمات السلبية التى قيلت. مخرجة مصرية كانت مرعوبة من سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم فى مصر، وكانت تحكى عن مخاوفها وقالت «لولا الثورة لما جاؤوا، ويا ليتنا ما شجّعناها»، فقالت لها الممثلة المصرية التى لم تساند الثورة يوما، بل كانت ضدها منذ البداية «عندك حق»! وفى جلسة عشاء مع صحفية جزائرية، كان كلامها عن فخرها بثورة مصر يثير فى النفس القشعريرة من فرط روعته، فما كان من صحفية مصرية إلا أن قالت لها «البلد باظت.. ما احنا كنا عايشين كويس.. البلد مابقاش فيها أمان»! هكذا يرى المرتعشون أنفسهم.. مجرد كائنات تبحث عن أمانها الشخصى وإن حكمهم ديكتاتور يذلهم ليل نهار بأمان وهمى. الملاحظ أن هؤلاء المرتعشين بمجرد أن يعتلوا خشبة المسرح يترحمون على أرواح الشهداء ويشكرون ثورة مصر وتونس ويتمنون نجاح ثورة سوريا، وينالون تصفيقا حادا على أدائهم التمثيلى العبقرى! المهم، وبعيدا أو قريبا من عنوان الندوة السابقة، عرض مساء أمس، الثلاثاء، الفيلم المصرى «18 يوم»، حضر العرض عدد من أبطال الفيلم ومن بينهم يسرا وعمرو واكد وهند صبرى وباسم سمرة وبعض مخرجيه ومن بينهم يسرى نصر الله وكاملة أبو ذكرى وشريف البندارى، كما حضر منتج الفيلم محمد حفظى. قبل عرض الفيلم صعد صُنّاعه إلى المسرح لتحية الجمهور، ولاحظ الجميع انصراف واختفاء يسرا من قاعة العرض قبل ثوان من بدء الفيلم! فيلم «18 يوم» مكون من عشرة أجزاء، كل منها فيلم مستقل بمخرج مختلف، والأفلام العشرة هى: «داخلى/ خارجى» للمخرج يسرى نصر الله، و«احتباس» للمخرج شريف عرفة، و«حظر تجول» للمخرج شريف البندارى، و«19/ 19» للمخرج مروان حامد، و«خلقة ربنا» للمخرجة كاملة أبو ذكرى، و«تحرير 2/ 2» للمخرجة مريم أبوعوف، و«لما يجيلك الطوفان» للمخرج محمد على، و«حلاق الثورة» للمخرج أحمد علاء، و«كعك التحرير» للمخرج خالد مرعى، وأخيرا «شباك» للمخرج أحمد عبد الله. الفيلم، من اسمه، يتناول 10 قصص وحكايات لأيام الثورة المصرية الثمانية عشر.. هل كان الفيلم على مستوى الحدث؟ هل كان جديرا بأن يكون أول توثيق للثورة المصرية؟! مع كامل الاحترام لجميع المشاركين فيه تصويرا ومونتاجا وكتابة وإخراجا وتمثيلا وإنتاجا؟! نظلم الفيلم كثيرا إذا قلنا إنه يوثق للثورة المصرية، ونظلمه أكثر إذا ربطنا فقر المواد المصورة من ميدان التحرير ويوم جمعة الغضب التى وُضعت فى الأفلام، مع ثراء المادة الحقيقية لأحداث الثورة المصورة على ملايين الأشرطة، فقد كان من الغريب أن يختار المخرجون مواد فقيرة من أحداث الثورة. ربما كان الاستعجال فى إنجاز الفيلم سببا كافيا لعدم التعجب. الملاحظ أن فيلمَى المخرجين الكبيرين فى فيلم «18 يوم» وهما «داخلى- خارجى» ليسرى نصر الله و«احتباس» لشريف عرفة، كانا الأضعف بين أجزاء الفيلم، والأكثر سطحية وسذاجة فى تناول الحدث، وكان فيلم «19/ 19» إخراج مروان حامد وسيناريو عباس أبو الحسن أشبه بتوثيق لما حدث لوائل غنيم فى أثناء فترة اعتقاله بعد الخامس والعشرين من يناير، وهو ما لم يحقق مساحات من الابتكار فى الفيلم. فيما كان فيلم «خلقة ربنا» لكاملة أبو ذكرى و«إن جالك الطوفان» لمحمد على هما الأقوى والأعمق والأكثر جاذبية واختلافا فى تناول الحدث، من زوايا مبتكرة، فالأول بطلته فتاة تبيع الجرائد، صبغت شعرها باللون الأصفر، وتعيش بذنب أنها غيرت من خلقة ربنا لمجرد تلوين شعرها.. تشارك فى المظاهرات بالصدفة، وتهتف بكل ما بها من قوة، وتموت فى النهاية. والفيلم الثانى بعنوان «إن جالك الطوفان» تناول شخصيات كانت على هامش الثورة.. وترغب فى التكسب من ورائها.. ببيع علم مصر للثوار فى ميدان التحرير أو للمؤيدين للرئيس السابق فى ميدان مصطفى محمود، أو تبيع صور الرئيس المخلوع مرة لمؤيديه والثانية بكتابة كلمة «ارحل» عليها للمعارضين له. الفيلمان من تأليف بلال فضل، ويأتى صدقهما من كونهما لم يتعمدا إقحام مشاهد الميدان وصراعات تأييد الثورة من عدمه. قدم الفيلمان حكايات لبشر على هامش الثورة وعلى هامش الحياة دون أن يثيرا شفقة زائفة معهم، ودون تحامل عليهم أيضا.. كان البشر هم أبطال الفيلمين، لا الميدان، ومن هنا جاء التميز. أما الفيلم الذى كان الأعلى من حيث الجودة الفنية والأكثر احترافا فى ما يتعلق بالصورة السينمائية مضافا إليها جودة النص ورشاقة التناول، فكان فيلم «حظر تجول» للمخرج شريف بندارى، من تأليفه بالمشاركة مع عاطف ناشد. يتناول الفيلم حكاية جد «أحمد فؤاد سليم» وحفيده يتوهان فى إحدى ليالى حظر التجول بالسويس. أما فيلم «شباك» للمخرج أحمد عبد الله، فقد جاء مخيبا للآمال، خصوصا أنه احتوى على أكثر من تفصيلة خاطئة عن أحداث لم تخبُ بعد من ذاكرة الجميع، كأن الفيلم قد صُنع على عجل أو صُنع باستخفاف. الفيلم الذى يقوم ببطولته أحمد الفيشاوى، يدور حول شاب لا علاقة له بالأحداث على الإطلاق، يراقب الحياة من خلال شاشة الكمبيوتر، ويراقب جارته الثائرة من خلال شباك غرفتها. فى إطار الفيلم يعرض المخرج لقطع الاتصالات، ولكنه ينسى أن جميع وسائل الاتصال قد قطعت يوم السابع والعشرين من يناير مساء لا يوم الثامن والعشرين، كما أنه يعرض لخطاب التنحى ولفرحة الناس برحيل الرئيس السابق، كأن الحدث قد كان فى ظهيرة أحد الأيام، لا فى ليل يوم 11 فبراير. تلك تواريخ حديثة جدا، فكيف تهمل تفاصيل ما زالت فى الذاكرة؟! وفيلم «حلاق الثورة» إخراج أحمد علاء وسيناريو ناصر عبد الرحمن، كان أكثر الأفلام جذبا لضحكات الجمهور، فمن خلال فيلم خفيف الدم عميق المضمون، تدور الأحداث حول حلاق يفتح محله لعلاج الجرحى يوم موقعة الجمل وما بعده. تفاعل الجمهور وصفق فى أثناء العرض أكثر من مرة.. وعقب انتهاء الفيلم ردد الجمهور فى القاعة شعار «ارفع راسك فوق.. إنت مصرى»، وغنوا بقيادة الفنان خالد أبو النجا أغنية «فى كل شارع فى بلادى».