هل يمكن لامرأة أن تحب لصا أو قاتلا، وتتعلق به لدرجة أن تتستر عليه وتشاركه جرائمه؟ بالطبع يمكن.. وقصة الحب التى جمعت الأخت سوزى بالأخ حسنى خير دليل على ذلك. لنجيب محفوظ قصة قصيرة من مجموعة «الشيطان يعظ» اسمها «الحب والقناع».. فى معرض وصفه لامرأة شريفة قال: «هى ليست من النوع الذى يحب الجسد وحده.. ليست من النساء اللاتى يحببن اللصوص والبُرمجية والقتلة.. إنها تحب بروحها وجسدها معا». لطالما تحدثت الكتابات عن الحب وقوته وتأثيره فى النفوس وقدرته على العصف بكل ما يواجهه، حتى لو كان قيما راسخة، كذلك قدرته على تحدى الأعراف والوقوف فى وجه التقاليد والمجتمع. وقد أسهمت الأفلام السينمائية والدراما التليفزيونية فى شيوع أفكار كهذه عن الحب، عندما صورت ابن الباشا يقع فى غرام الخادمة أو ابنة الأصول تحب السايس، أو أستاذ الجامعة يقع فى هوى الغانية، أو ربة البيت تهيم شغفا بزعيم عصابة.. كل هذا قدمته السينما تحت لافتة الحب، الذى لا يعرف الفوارق ولا يقف فى طريقه أحد. لطالما قرأت وشاهدت كتابات وأفلامًا تدور حول هذا. نجيب محفوظ وحده هو من أوضح لى أن كل ما سبق يندرج تحت عنوان واحد هو الاشتهاء أو حب الجسد. طافت بخيالى القصة التى كتبها محفوظ الفاهم للنفس البشرية، والقادر على توضيح الأفكار بسهولة ويسر، بعيدا عن الكليشيهات النمطية التى يرددها الناس كالببغاوات، وكان سبب ورودها على خاطرى جريمة القتل التى قرأت أخبارها بالصحف، وكانت بطلتها امرأة صاحبة كافتيريا قامت بالاشتراك مع عشيقها بقتل الزوج، ثم حمل جثته وبها طلق نارى بالرأس من جراء الرصاص الذى أطلقه العشيق والذهاب بالجثة إلى مستشفى معهد ناصر، والادعاء بأن الرجل راح ضحية أحداث ماسبيرو فى أثناء مروره بالسيارة بجوار مبنى التليفزيون يوم الأحد الدامى! بكشف حقيقة الجريمة تم تبرئة المجلس العسكرى من دم الرجل الذى قتلته زوجته الخائنة وعشيقها المجرم، ثم حاولا أن يلصقاها بالجيش.. لكن رغم هذا تتبقى أربع وعشرون جثة أخرى لشباب لم تقتلهم زوجاتهم! فى هذه الجريمة يكمن ما تحدث عنه نجيب محفوظ عندما وصف امرأة شريفة بأنها ليست من النوع الذى يحب الجسد وحده، فلا يمكن أن تقع بغرام قاتل أو لص أو ابن قحبة برمجى.. فالقتيل كما ذكرت الصحف هو مدير فرع أحد البنوك، أما القاتل فهو صايع تعرفت عليه الزوجة ووظّفته عاملا فى الكافتيريا التى فتحها لها الزوج. لا نعلم الظروف والملابسات التى حدت بالزوجة إلى أن تبتعد عن زوجها بمشاعرها وترتمى فى أحضان عاطل لا يدانى الزوج فى التعليم واليسر المادى والمكانة الاجتماعية، كما لا نفهم لماذا لجأت إلى قتله ولم تطلب الطلاق. لقد كان بإمكانها أن تحفظ على الرجل حياته وأن تنعم بالمجرم الذى أحبته إذا هى تطلقت، وكان فى وسع العاطل القاتل أن يفوز بالعشيقة دون أن تتلوث يداه بالدم.. بل كان بإمكانهما أن يستمرا فى علاقتهما الآثمة من وراء ظهر الزوج دون أن يزعجهما أحد. إننى منذ قرأت أخبار هذه الجريمة لم أتوقف عن التفكير فى الزوج المغدور الذى لم يفعل أى شىء يستحق من أجله أن يموت.. لا هو خان ولا هو غدر ولا هو آذى الزوجة وصاحبها، وربما لا يعرف القاتل ولا تربطه به عداوة. ما هذه الحياة العجيبة التى يمكن أن يُقتل فيها المرء من دون سبب، فقط لمجرد أن امرأته غوت وأحبت مجرما. لقد فسر لنا نجيب محفوظ هذا النوع من الحب بأنه حب الجسد، لكننا نحتاج إليه ليفهمنا لماذا يصل الاشتهاء وحب الجسد إلى جعل امرأة متعلمة لا تكتفى بعشق شاب صايع والهيام به، لكن تقتل زوجها وأب ابنتها من أجله؟