«لا إله إلا الله محمد رسول الله» كلمات لا بد أن تخرج من فمك وأنت ترى هذا المشهد الرهيب على شاشة التليفزيون... حسنى مبارك، ذلك الرجل الذى حكمنا أكثر من ثلاثين عاما، يأمر فيطاع، ولا نبالغ فنقول: إنه برمشة عين كانت تؤخذ القرارات لتدخل الناس السجون وتُقصف الأقلام وتُقطع لقمة العيش وتنهار إمبراطوريات تجارية... الآن يذهب كل شىء لنجد مبارك نائما على سريره وأمام المحكمة وعبر شاشات التليفزيون يشاهده العالم بأسره، ومن الغريب والطريف أن تكون محاكمة الرجل خلال شهر رمضان المبارك، وللإنسان الآن الحق فى أن يتساءل: ماذا حدث وماذا جرى وكيف تكون النهاية بتلك الصورة المروعة التى لا يمكن لأحد فى مصر أو غيرها كانت قد خطرت على باله ولو للحظة أن يجد الرجل فى قفص الاتهام على مرأى ومسمع من الجميع؟! لا بد لنا الآن أن يرتفع صوتنا لنقول كلمة واحدة: إن الملك لله وليس لأحد غيره، لأن من كان يشاهد هذا الرجل ونظامه خلال الثلاثين عاما السابقة كان يتخيل أن مجده الزائف لا يمكن أن يناله أحد بسوء، وأنه سيظل قابعا على قلوبنا فترات وفترات، بل إن ابنه سيكمل المسيرة. الآن ذهب كل شىء ودخل حسنى مبارك قفص الاتهام نائما، ربما لأول مرة فى التاريخ يحاكم رئيس وهو على سرير المرض، ولنا اليوم، ونحن نراه فى هذا المشهد، أن نتذكر دماء الخالدين العظماء أبناء شعبنا العظيم الذين قدموا هذه الدماء فداء لمصر وشعبها، وأنا على يقين أن هؤلاء الشهداء كانوا يشاهدون جلسة حسنى مبارك فى محكمة الجنايات وكانت الوجوه كلها فرحة بالمحاكمة وفرحة بمصر وقضائها، وعلى كل مصاب فى ثورة 25 يناير أن يرتاح اليوم، لأنه رأى القتلة خلف القضبان يستمعون إلى قرار اتهامهم وإلى أصوات محامىّ المدعين بالحق المدنى ليلقنوا المتهمين درسا فى الوطنية، علينا اليوم وبلا أى حساسيات أن نتقدم بالشكر والامتنان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أوفى بعهده بمحاكمة الرئيس وأعوانه، وما شاهدناه من خلال الجلسة الأولى يؤكد أننا سنكون أمام محاكمة عادلة، نشكره على أنه أوفى بالعهد وعلى شجاعته فى اتخاذ القرار رغم كل ما قيل عن ضغوط خارجية لوقف تلك المحاكمات وخصوصا محاكمة الرئيس السابق. نتوجه بالشكر للثوار الأبطال شباب 25 يناير الذين وجدوا فى الميدان منذ 25 يناير ليس فى ميدان التحرير فقط، بل فى ميادين مصر كلها نتوجه بالشكر ل12 مليون متظاهر خرجوا يوم 11 فبراير هاتفين بسقوط النظام ومطالبين بمحاكمته، نتوجه بالشكر لآلاف الشباب الذين اعتصموا بميدان التحرير مطالبين باستكمال مطالب الثورة وسرعة محاكمة النظام السابق برئيسه ومعاونيه. آن، الآن لنا فى مصر، أن نشعر بالسعادة والفخر بأننا نقدم نموذجا فريدا فى منطقتنا العربية للثورة المحترمة، آن لنا الآن أن ترتفع قاماتنا مفتخرين بمصريتنا لنرفع جميعا الشعار الذى رفعه الثوار فى الميدان «ارفع راسك فوق إنت مصرى» فاليوم لنا جميعا أن نرفع رؤوسنا وأن نهمل كل ما كان يقال عنا بأننا شعب متخاذل وغير قادر على التغيير ولا الثورة ضد قادته. إن مشهد محاكمة الرئيس السابق عبر شاشات التليفزيون قدم دعاية مجانية بآلاف المليارات من الجنيهات للتعرف على مصر بتاريخها العظيم ليس فقط القديم، بل والحديث أيضا، وهنا يبرز السؤال المهم: هل مع بداية محاكمة مبارك آن الأوان ليتوقف الثوار عن المظاهرات فى مصر؟ وهل يمكن لتلك الخطوة الجريئة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن تجعل الثوار يتوقفون قليلا على الأقل إلى أن تنتهى المحاكمات؟ سؤال لا بد أن يجيب عنه ثوار يناير الآن.. هل هم فى حاجة إلى استراحة محارب؟ وهل الخطوات التى اتخذتها الحكومة مؤخرا، ومنها تطبيق قانون الغدر وعدم تولى مسؤولى الحزب الوطنى أى مناصب قيادية عليا بالدولة، هل نعتبر بما حدث من المجلس الأعلى لوفائه بالمحاكمة وعلانيتها وبقرارات مجلس الوزراء الأخيرة؟ هل يمكن أن نطالب الثوار بالهدوء قليلا حتى تتضح الأمور أكثر؟ مع علمنا جميعا أن كل ما حصلنا عليه من إنجازات للثورة كان أساسه هؤلاء الأبطال الثوار الذين اعتصموا فى الميدان ولم يتظاهروا فقط. ما حدث أخيرا يعطينا انطباعا جيدا بأننا ذاهبون إلى مستقبل طيب ومحترم ووجب على الجميع مجتمعين، ثوارا ومسؤولين، أن نتجمع جميعا لنتخطى تلك المرحلة المهمة من حياتنا، لذلك ندعو اللجان الثورية فى مصر أن تضع تلك الخطوة التاريخية بمحاكمة الرئيس المخلوع فى مكانها الطبيعى، وتستجيب لدعوتنا بأن يكون هناك هدوء نسبى فى الميدان حتى نتابع تلك المحاكمات بهدوء، ونحن على يقين من أن القضاء المصرى سيجلب لنا جميعا حقوقنا من هؤلاء القتلة الذين امتصوا دماء شهدائنا الأطهار.