«الموت، على الأرجح، أحسن اختراع فى الحياة. كل الكبرياء والخوف من الفشل، كل هذه الأشياء تتهاوى فى مواجهة الموت، ولا يبقى إلا ما هو مهم حقيقةً» ستيف جوبز. حين أنتج كمبيوتره الأول عام 1976 كان شابا، وُلد قبل 21 عاما لأب سورى هاجر إلى أمريكا، عبد الفتاح جندلى، وصديقته، جوان كارول شيبل. لم يعش معهما لأنهما عرضاه للتبنِّى، فتبناه بول جوبز ورباه فى منزل فى سيليكون فالى. فى جراج هذا المنزل خرج الكمبيوتر الأول. سمى جوبز هذا الكمبيوتر «أبل1»، وفى العام التالى أنتج «أبل2» الذى استخدم لوحة مفاتيح جديدة وشاشة ملونة، وصار أول كمبيوتر «ديمقراطى» يدخل إلى بيوت العامة. فى عام 1980 طُرح هذا الكمبيوتر للعرض العام، ومباشرة صارت ثروة جوبز، الذى ترك الدراسة وهو فى المرحلة الجامعية واكتفى بحضور الدروس التى يراها شيقة، 217 مليون دولار. لم يكن جوبز بلغ الثلاثين حين أقاله مجلس إدارة شركة «أبل» عام 1984 من الشركة التى كان أحد مؤسِّسَيْها، فى نفس العام الذى أنتجت فيه الشركة كمبيوتر ماكنتوش، الذى اعتبره جوبز، أيضا، ثورة، معتمدا تصميما جديدا فى فتح الصفحات، مختلفا تماما عن التصميم الذى اعتمدته الشركة المسيطرة على سوق الكمبيوتر وقتها «آى بى إم». هذا هو التصميم الذى نشأنا كلنا عليه، والذى ارتكزت عليه شركة «ميكروسوفت» فى تصميمها المعروف حتى الآن ب «ويندوز». بعد الإقالة، ظل شهورا لا يدرى ماذا يفعل. ثم قرر أن «يفعل» ثورة أخرى. اشترى جوبز قسما صغيرا فى شركة للرسوم المتحركة، وأنشأ شركة «بيْكسَر». ترنحت هذه الشركة طوال تسع سنوات، انشغل فيها جوبز بأمور شخصية، حيث عثر على أمه البيولوجية، وعلى أخته، كما اعترف بابنته ليزا، التى رفض سابقا الاعتراف بها. لكن الشركة أنتجت عام 1995 الفيلم الأشهر «توى ستورى»، أول فيلم رسوم متحركة طويل ينتج على الكمبيوتر. فى السنوات العشر التالية أنتجت أفلاما ناجحة أخرى مثل «البحث عن نيمو»، وجزأين من «توى ستورى»، وفيلم «إلى فوق». مما جعل والت ديزنى تضم «بيكسر» إلى إمبراطوريتها عام 2006 مقابل 7 مليارات ونصف المليار دولار، وتجعل ستيف جوبز المساهم الأكبر فى الشركة العملاقة. فى السنة التالية لظهور فيلم «توى ستورى» الأول، بالتحديد عام 1996، عاد ستيف جوبز إلى «أبل» المترنحة، كمستشار. على الفور عمل على التخلص من مجلس الإدارة، وتولى هو مهمة المدير التنفيذى للشركة، وما ذاك إلا تمهيد لثورته القادمة، التى لم تكن أكثر من جهاز وضعه ستيف جوبز فى جيب بنطلونه الجينز، ثم أخرجه أمام الجمهور وأخبرهم أن هذا الجهاز الصغير سيحمل كل مكتبتك الموسيقية، فى أى وقت، إلى أى مكان. فى عام 2001 تعرف العالم على «الآى بود»، وبعدها لم يعد شىء فى مجال إنتاج الموسيقى كما كان. ثورة «الآى بود» لم تؤثر فقط على اقتصاد الموسيقى، بل غيرت طريقة استماعنا إليها، وأوقات استماعنا إليها، وأماكن استماعنا إليها، وحجم «استهلاكنا» لها، ومدى المنافسة فى إنتاجها، وأثرت على جودة الأغنية الفرد فى مقابل الألبوم (المجموعة)، لأنك صرتِ قادرة على انتقاء ما تريدين، ولستِ ملزمة بشراء المجموعة كلها. الفرد فى مقابل المجموع، كانت سمة أساسية فى فلسفة البوذى ستيف جوبز وحياته. ستيف جوبز لم يعتمد على البحوث الاستقصائية ولا قياس رغبات السوق، بل آمن بأن الجموع ستحب المنتج حين تقدمينه لهم. قبل ذلك لا يعرفون عنه شيئا ولا يتخيلونه. وأن مهمة المبدع أن يتخيل هذا «المنتج» ويبتكره. بنفس هذه الفلسفة، توالت نجاحات جوبز العبقرية. «الآى فون» الذى حول جهاز التليفون النقال إلى حلقة وصل بين مستخدمه والعالم، صوتا وصورة وتصفحا للإنترنت وتصميما. ثم «الآى باد» الذى يتوقع خبراء أن يحل قريبا محل جهاز الكمبيوتر الشخصى، وأن يؤثر على الطباعة الورقية وعلى نمط مشاهدتنا التليفزيون وقراءتنا الصحف. أنا واحد من الناس مدين له بالكثير فى ثقافتى وذوقى الموسيقى إلى جانب نواح أخرى من الثقافة. شكرا جزيلا، ستيف جوبز. العالم من دون هذا الفرد الواحد خسر كثيرا.