1 مرة واحد يهودى فقير قرر يشتكى لحاخام المنطقة من الحالة البؤس التى يعيش فيها، ذهب إلى بيت الحاخام ووصف له حال بيته. هو: المجارى طافحة طوال الوقت، لا أملك نقودا للسباكة، الحشرات تدخل من شقوق الجدران ولا أجد أموالا للترميم، السقف يسرب مياه الأمطار، والبرد وسوء التهوية وانعدام التدفئة تكاد تقتلنى أنا وأطفالى، وأكثر من ذلك أن البيت ضيق، ضيق للغاية، أنا وأولادى الأربعة وأمهم مكدسون فى غرفة وصالة. ساعدنى يا سيدنا الحاخام. ابتسم له الحاخام ووعده بأن يساعده... أسبوع مر ولم يذهب إليه الحاخام ولم يزره. والرجل متلهف على المساعدة. عاد إلى بيت الحاخام ملحّا، والحاخام «متعزز»، يسأله مرة بعد أخرى: أواثق أنت أنك تريد مساعدتى، أم تصبر على ما أنت فيه؟ والرجل المبتلى يجيبه بأنه واثق بلا شك، فالوضع الذى يعيش فيه لا يحتمل. يسأله الحاخام مرة بعد أخرى: هل ستقبل بالحل الذى أقدمه مهما بدا غريبا؟ والرجل يجيب: إنك حافظ الدين وحامى الأمة، أعلم أنك لن تضيعنى، وأن الخيرة ستكون فى ما اخترت. بعد عدة زيارات كتلك، أعطى فيها الرجل الفقير موثقا مؤكدا أنه راغب فى تلقى المساعدة، وأبدى فيها من التعلق بالأمل ما أكد أنه «استوى»، وعده الحاخام وعدا محددا بأنه قادم إليه غدا وفى يده الحل. فى صباح اليوم التالى وصل الحاخام إلى بيت الفقير، ممسكا بيده خنزيرا. اليهودى الفقير لا يحب الخنازير ولا يربيها، ثم إنها حرام فى شريعته، فكيف يأتى به الحاخام إلى هذا البيت الضيق؟ الأغرب من ذلك ما أخبره به الحاخام: هذا الخنزير سيبقى فى البيت، ففى يده الحل. ولم يجد الفقير المتعلق بالأمل إلا القبول والثقة بحكمة الحاخام. مر يوم واثنان وأسبوع، والرجل لا يرى الحل. بالعكس، صارت حياته جحيما أكثر من ذى قبل، أضيف إلى ضيق المكان والمجارى والحشرات روث الخنزير ورغبته الدائمة فى أن ينام وسط المجارى، ثم ينقل الوسخ إلى داخل البيت. هنا لم يعد لدى الرجل أدنى قدرة على التحمل، ربط الخنزير وأعاده إلى الحاخام معتذرا: يا سيدى، لقد حاولت لكننى لم أستطع الاحتمال. المشكلات السابقة تعايشت معها أما الخنزير فلم أستطع التعايش معه. سأله الحاخام: هل يريحك أن آخذ الخنزير إذن؟ قال الرجل: نعم، وسأكون لك من الشاكرين. حظ الشعب المصرى مع من يتولون أموره ليس أفضل كثيرا من حظ الرجل اليهودى المسكين. كلما شكونا من تردى الأوضاع وظهرت بوادر أزمة سياسية خرج من الجراب فتنة طائفية أو جاسوس أو كذا أو كيت. نفس العقلية لا تتغير، حتى الوسائل، ليس لديهم الخيال الكافى للإبداع فيها. 2 نكذب ونعتبر أنها كذبة صغيرة.. لكنها الآن لم تعد صغيرة، لقد كبرت، لقد احتاجت إلى أن تتغذى على مزيد من الأكاذيب حتى لا تهوى، صار فى قلبها كذبها، وفى كبدها كذبة، وفى عقلها كذبة.. والأخطر، صارت معدتها تحب الكذب. وهل تحب معدةٌ الكذب؟ يا لهذا السؤال الساذج! المعدة تحب ما يلقم فيها، المعدة التى نبتت على اللحوم تحب اللحوم، والتى نبتت على الخضراوات تحب الخضراوات، كذا المعدة التى نبتت على الشجاعة، أو الخوف، أو... أو الكذب. لم تكن كذبة، كانت مقولة. مقولة أعجبتنى، وارتحت لها ولم أبذل عناء شرح ما خفى فيها حين فهمها الناس على غير ما قصدته. هل أنا مسؤول عن آذان الناس وعقولهم؟! هل أنا مسؤول عن سماعهم ما يريدون أن يسمعوه دون تدقيق ولا تمحيص؟ هذه مشكلتهم. نعم، ولكن ما بُنى على المقولة هو الكذبة، أكبر كذبة. جيوش المنافقين كتبت المقولة على راياتها وطبلت على إيقاعها، أبواق المنافقين أذّنت بالمقولة صبحا وزوالا ومساء، وحكماء الإعلام وصفوا لنا المقولة ثلاث مرات قبل الأكل وبعده، ومنعونا من أكل الحادق والحراق والمالح، وأى شىء يضر المقولة والقولون.