فى كل خطاب من خطابات الديكتاتور المخلوع، كان لا بد أن يتحدث عن اهتمامه بالفقراء ومحدودى الدخل، فى حين أن عدد الفقراء فى عصره كان فى ازدياد يوما بعد يوم، ومعاناتهم كانت تتضاعف بسبب سياساته الفاسدة، فالخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين متدنية للغاية، وعدد سكان القبور، وعشش الصفيح، والعشوائيات تضاعف فى عهده مرات عدة! وخلال سنوات حكم عائلة مبارك، كانت ميزانية الدولة تخصص أهم بنودها للصرف على أجهزة الأمن، وأجهزة الإعلام، إضافة إلى مخصصات رئاسة الجمهورية، ومخصصات أخرى كثيرة للصرف منها دون محاسبة من أحد، ودون رقابة من البرلمان، ولا من الجهاز المركزى للمحاسبات! وهذه هى الصناديق الخاصة، التى تكاثرت بشكل غير مسبوق، حتى زادت على عشرة آلاف صندوق، أموالها بعشرات المليارات، ويتم التصرف منها بلا أى مساءلة من أى جهة! إنه عصر الفساد المقنن، فميزانية الدولة بكل بنودها ومخصصاتها مبوبة من أجل خدمة أهل الحكم والأغنياء! وأموال الشعب فى البنوك متاحة لكل متنفذ، فقد اقترن أهل الحكم مع أهل المال بعلاقات غير شرعية على حساب شعبنا الفقير! ومن ثم فقد كنا ننتظر بعد ثورتنا المباركة، أن يعاد تنظيم موازنة الدولة للعام المالى 2011/2012 بطريقة ثورية، تختلف تماما عما كان يحدث فى سنوات الفساد والاستبداد، لكن د. سمير رضوان، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى، لم يغير فكره، ووضع لنا موازنة للسنة القادمة، لا تختلف كثيرا عن موازنة العام السابق، وما قبله! ونظرا لعدم وجود برلمان، فلم تناقش بنود الموازنة مناقشات جادة من أجل تعديلها، وكذلك لم ينل موضوع الموازنة الجديدة ما يستحقه من مناقشات مجتمعية موسعة لإصلاح ما بها من عيوب فاضحة. ولكى لا أدخل القارئ الكريم فى تفاصيل دقيقة وأرقام كثيرة، سأبسط الأمر فى كلمات واضحة، فمن أهم بنود الإنفاق فى الميزانية، مخصصات بالمليارات لدعم الطاقة، وجزء كبير من هذه الأموال الضخمة يذهب إلى كبار الرأسماليين المصريين والأجانب! وإذا نظرنا إلى مخصصات التعليم، والصحة، والإسكان، والبحث العلمى، فى الموازنة، سنجد أنها أقل بكثير من المعدلات العالمية فى بلاد العالم المتقدم، والنامى أيضا! فموازنة الدولة تم عملها بفكر لجنة سياسات الحزب الوطنى، فهى موضوعة لخدمة الأغنياء لا الفقراء، فثورتنا لم تصل بعد إلى وزارة المالية، ومن ثم فقد فوجئت بأول تصريح لنائب رئيس الوزراء ووزير المالية الجديد د. حازم الببلاوى، بأنه لا تعديل فى الموازنة، وأن اقتراحات التعديل تتم إن شاء الله فى العام القادم!! نحن نعلم صعوبة إحداث تعديلات على بنود الموازنة، ولكنها ليست مقدسة، ولا بد من تعديلها بما يتناسب مع مبادئ الثورة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ورعاية الطبقات الفقيرة، وهذا هو واجبك يا معالى الوزير الجديد، وإذا لم تبدأ فى ذلك فورا، فماذا تريد أن تصنع فى وزارة المالية، أن تتأكد فقط من تنفيذ بنود ومخصصات موازنة سمير رضوان؟!