مع ظهور إمكانية التصوير بالألوان على الشرائط السينمائية، ظهرت مقاومة حقيقية من أغلب السينمائيين. كانوا قد اعتادوا أن الصورة هى «الأبيض والأسود» واقتنعوا أن فن التصوير الحقيقى هو القائم على اللعب على المساحة بين هذين اللونين الخالدين، ولسنوات طويلة، كانت إمكانية التصوير بالألوان متاحة، لكن السينمائيين لا يميلون إلى استخدامها. طبعا التكلفة العالية كانت أحد أسباب ذلك الخيار، لكنها لم تكن السبب الوحيد، ولا الأهم، بل هو تشبث العقلية السينمائية الكلاسيكية باستقرار الأبيض والأسود، والخشية من التعامل مع تمرد الألوان، حيث لم تتضح قواعد التعامل معها بعد. هل كان يمكن -نتيجة لهذا التحفظ- أن تظل السينما أسيرة لرماديات الأبيض والأسود؟ على الرغم من تفضيل كبار السينمائيين عدم استخدام الألوان؟ كيف أصبحت كل الأفلام تقريبا ملونة خلال عقدين فقط من الزمان؟ كيف أصبحت السينما الملونة هى القاعدة البديهية، والسينما الرمادية هى الاستثناء الغريب الذى يحتاج إلى مبرر؟ كيف؟ رغم أن «المتحكمين» فى شؤون الصناعة السينمائية كانوا يرفضونها. الإجابة ببساطة أن منع انتشار الألوان بعد ظهورها على الشاشة كان أمرا مستحيلا، لأن الجمهور، رآها وتقبلها وأحبها واستطعمها، فانتهى الأمر. الجمهور الذى استسلم فى البداية لفكرة أن السينما رمادية، عندما رأى أبطاله ونجومه وشوارعه ومدنه وخيالاته جميعا بالألوان، تشبث بالفكرة، وقرر أن تكون هذه هى صورته المفضلة دائما.. لم يتمكن السينمائيون من تفهم حب الجمهور للألوان، وحاولوا الإلحاح عليه بمزيد من الرماديات، رماديات عظيمة فنيا، لكنها أبدا لم تشبع نهم الجمهور لتلك المتعة التى تذوقها، ويريدون الآن أن يحرمونه منها، سيادة الألوان تدريجيا، وانحسار الرماديات، كان أمرا محسوما ومنتهيا ومسألة وقت، كان يحتاج فقط إلى جيل جديد من السينمائيين، هو الذى تمكن من ترويض الألوان، وتطويعها، واكتشاف جمالياتها، وبالتالى استطاع أن يحقق أمر الجمهور المطالب بسينما ملونة. من يميلون إلى التشاؤم، أو من يجدون فى اليوم الواحد عشرات المبررات للإحباط، من بدؤوا يكفرون تماما بإمكانية أن نحيا فى بلد عظيم، ومن أصبحوا على يقين أننا نعيش خيوط مؤامرة ناجحة من ترتيب المجلس العسكرى لتحجيم الثورة. إلى هؤلاء جميعا أقول: إننا استطعمنا مذاق الحرية، ورأينا بأعيننا كيف يمكن للمستقبل الرمادى أن يصبح ملونا وزاهيا، مهما حاولوا أن يمحوا تلك الألوان من مخيلتنا فلن يتمكنوا.. قد يفرضوا علينا الرماديات لفترة، لكنها فترة لن تطول، وستسود الألوان فى النهاية.