ما يثير التساؤلات حول تسريب التقرير الفرنسي أنه جاء في ظل علاقات ممتازة بين مصر وفرنسا في السنوات الأخيرة والتي شهدت زيارة تاريخية للرئيس الفرنسي ماكرون قبل نحو 34 شهرا، وبالتحديد فجر يوم 19 مايو 2016، استيقظ المصريون على كارثة مفجعة، بدأت بغموض كبير مع تداول وسائل الإعلام العالمية والمحلية أنباء شبه مؤكدة عن فقدان طائرة الرحلة إم إس 804 التابعة لشركة مصر للطيران، بعد اختفائها بشكل مفاجئ عن شاشات الرادار عقب دخولها المجال الجوي المصري بعشرة أميال، حيث أقلعت من مطار شارل ديجول بباريس، وسط تكهنات كثيرة حول مصير الطائرة وركابها وطاقمها، حتى تم الإعلان بعد ساعات من البحث، عن سقوط الطائرة وتحطمها بين جزيرة كريت اليونانية والساحل الشمالي المصري، ومقتل 66 شخصا على متنها، بينهم 30 مصريا و15 فرنسيا. وفتحت كل من القاهرة وباريس تحقيقا للوصول إلى أسباب تحطم الطائرة، ورجح مسؤولون مصريون، أن عملا تخريبيا وراء الحادث، خاصة أنهم اكتشفوا آثار متفجرات على أشلاء ضحايا تم انتشالهم من موقع الحطام، مؤكدين أن النائب العام يحقق في القضية، في حين شكلت السلطات الفرنسية لجنة من الخبراء لتقييم الحادث، ورحبت السلطات وفتحت كل من القاهرة وباريس تحقيقا للوصول إلى أسباب تحطم الطائرة، ورجح مسؤولون مصريون، أن عملا تخريبيا وراء الحادث، خاصة أنهم اكتشفوا آثار متفجرات على أشلاء ضحايا تم انتشالهم من موقع الحطام، مؤكدين أن النائب العام يحقق في القضية، في حين شكلت السلطات الفرنسية لجنة من الخبراء لتقييم الحادث، ورحبت السلطات وجهات التحقيق في مصر، بالتعاون مع فرنسا على أمل كشف ملابسات الحادث. ماذا حدث بعد ذلك؟ أبدت مصر منذ بداية التحقيقات تعاونا كبيرا، وبدأت الإجراءات القانونية تأخذ مساراتها في كلا البلدين، ورجح مسؤولون مصريون، في البداية احتمالية أن تكون قنبلة ربما تسللت بشكل غير معلوم إلى الطائرة وتسببت في الحادث، إلا أنهم رفضوا تأكيد هذه الفرضية، تاركين حسم الأسباب إلى جهات التحقيق والقضاء، وبالتزامن مع سير الإجراءات الرسمية المصرية، تفاجأ الجميع في يوليو 2018، بتسريبات إعلامية، منسوبة لمحققين فرنسيين، ترجع سبب تحطم الطائرة المنكوبة، إلى حريق شب في قمرة القيادة. وفي نفس الوقت اتهمت هيئة التحقيق في حوادث الطيران الفرنسية "بي إي إيه" في بيان، السلطات المصرية بعد التجاوب مع مطالبها بمزيد من التحقيقات، في محاولة لفرض وجهة نظرها على سير التحقيقات، عبر اقتراحات للعمل بصورة فنية معينة على الحطام والبيانات المسجلة، ليبدو الأمر كأنه محاولة لإحراج السلطات المصرية أو الضغط عليها، خاصة أن القاهرة وباريس اختلفا في السابق على طريقة سير التحقيقات حول الحادث، لدرجة أن التحقيقات اتخذت مسارين منفصلين الأول في مصر والثاني في فرنسا. وأشارت الهيئة الفرنسية، إلى أن المحققين المصريين لم ينشروا تقريرهم النهائي، وأبدت استعدادها لاستئناف العمل مع السلطات المصرية إن كانت ستستأنف العمل في التحقيق. وتوجب القواعد الدولية نشر تقرير بعد عام من وقوع أي حادث، بحسب رويترز. وبعد مرور سنة على التسريب السابق غير المؤكدة فرضيته، سرب محققون فرنسيون، مطلع أبريل الجاري، معلومات نسبت إلى "تقييم خبراء" أمر القضاء الفرنسي جهتي خبرة بإعداده وتركيب سيناريو للكارثة، وسلم التقرير الأول للقضاء -76 صفحة- في يونيو الماضي، وخلص إلى نقص صيانة الطائرة ووجود "عيوب متكررة" فيها لا تتيح الإقلاع. وزعم التقرير، وجود "نقص كبير في الدقة لدى الطواقم والخدمات الفنية لدى مصر للطيران" في تعاملها مع الملفات التقنية للطائرة، وأن الطيارين الذين تناوبوا على قيادة الطائرة لم يبلغوا عن عدة حوادث صادفوها وبالتالي لم يتبع ذلك عمليات صيانة، كما أنه لم يتم الإبلاغ عن عيوب "إلا عند وجود الطائرة في مركزها الرئيسي في القاهرة لتفادي تأخيرها قبل عودتها"، بحسب صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية ووكالة الأنباء الفرنسية. مخالفة للأعراف التسريبات الفرنسية حول الحادث، جاءت مخالفة للأعراف الدولية فيما يخص التحقيقات، وخصوصا في القضايا الحساسة، إذ إنه من غير المعتاد أن يدلي محققون بتعليقات علنية على قضية يقود العمل فيها نظراء لهم في دولة أخرى، وفي حالة أي اختلاف في الرأي لا يجري التعبير عنه عادة في العلن. وما يثير التساؤلات والشكوك حول تسريب التقرير الفرنسي، أنه جاء في ظل علاقات ممتازة بين مصر وفرنسا، في السنوات الأخيرة، والتي شهدت زيارة تاريخية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بصحبة وفد كبير من رجال الأعمال ورؤساء الشركات الفرنسية، للقاهرة، يناير الماضي، إذ أجرى مباحثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. وزار ماكرون، بعض الأماكن الأثرية بالقاهرة، ومشيخة الأزهر، حيث التقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، بالإضافة إلى زيارة مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ولقاء البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. مصر ترد الرد المصري جاء متأخرا بعض الشيء، إذ قالت وزارة الطيران المدني، في بيان يوم الأربعاء الماضي، إنها لن تُدلي بأي معلومات فنية عن حادث تحطم طائرة مصر للطيران القادمة من العاصمة الفرنسية فوق مياه البحر المتوسط في مايو 2016، وذلك بعد تقارير صحفية، نقلت عن مصادر فرنسية حول أسباب تحطم الرحلة MS804، وأكدت الوزارة، أنها "حريصة على عدم الإدلاء بأي معلومات فنية تخص الحادث نظرًا لإحالة التحقيق إلى النيابة العامة كونها الجهة المنوط بها حاليا التحقيق في الحادث، ويرجع إليها فيما يتعلق بهذا الشأن". انتقاد وتعجب "انتظرت بيانًا من الحكومة المصرية يفند أكاذيب الفرنسيين وادعاءاتهم، ويكشف أن المعركة سياسية واقتصادية في الأساس، لكنني صُدمت ببيان فاتر من وزارة الطيران المدني"، بهذه الكلمات انتقد الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي، أمس الجمعة، في مقالة بجريدة المصري اليوم، تحت عنوان "التخلي عن مصر للطيران" التأخر المصري في الرد على التقرير الفرنسي. وأعرب عن إحباطه نتيجة الخلل في إدارة الأزمة، قبل أن يشكك في صحة ما جاء في التقرير، مؤكدا أنه يحمل تجاوزات وخللا كبيرا، بهدف التنصل من تحمل التعويضات، خاصة أن المسؤولية الكبرى تقع على الجانب الفرنسي، كون الطائرة أقلعت من مطار شارل ديجول ببارييس، وما تردد عن وجود آثار مواد متفجرة في الحطام، يشير إلى احتمالات اختراق أمن المطار الفرنسي. وأضاف المناوي "كان الجميع يعرفون ذلك بشكل واضح وظاهر، حتى الفرنسيون أنفسهم، إلا أن التأخر في معالجة الأزمة من الجانب المصرى، واستمرار التحقيقات طوال هذه المدة، فتح الباب لأن تتلاعب الأيادى والضمائر بتقارير جائرة لقلب الطاولة، واستباق أي تقرير قد يحتوى على حقائق تتناقض مع مصلحتهم".