تحدّت الظروف وتحمّلت المسئولية بعد وفاة والدها.. أمسكت «الساطور» لأول مرة وهي طفلة لم تتجاوز 14 عاما.. فضّلت مهنة الجزارة على التعليم والزواج «المعلمة منى».. بهيئتها ومسكتها ل«الساطور» تقف بين الجميع لا تهاب شيئًا ولا يُفزعها منظر الدماء بعدما اعتادت عليه لأكثر من ثلاثة عقود، ورغم ما حظيت به من شهرةٍ واسعة، كونها أولَ امرأةٍ تعمل بمجال جزارة اللحوم بمحافظة الشرقية، فإنها لم تنل حظها من الزواج؛ بعدما رفضت بإرادتها كل من طرق باب أهلها طالبا الارتباط بها، لترتبط بالمهنة التي تركت التعليم وتحملت مسئولية إخوتها وأبنائهم من أجلها، وحينما تُسأل عن ذلك ترد بجملةٍ واحدة: «أنا مبسوطة كده». على بُعد أمتار من موقف السيارات الخاص بمنطقة «الكير هاوس» بمدينة العاشر من رمضان في الشرقية، وما إن تطأ قدماك المكان صباح يوم الجمعة، حتى تلاحظ عيناك شيئًا ربما لم تره في مكانٍ آخر، حيث تجد أن «امرأة» تُمسك ب«الساطور» في محل الجزارة الموجود بالمنطقة، وحين تقترب منها على بُعد أمتار من موقف السيارات الخاص بمنطقة «الكير هاوس» بمدينة العاشر من رمضان في الشرقية، وما إن تطأ قدماك المكان صباح يوم الجمعة، حتى تلاحظ عيناك شيئًا ربما لم تره في مكانٍ آخر، حيث تجد أن «امرأة» تُمسك ب«الساطور» في محل الجزارة الموجود بالمنطقة، وحين تقترب منها تسمع طلبات الزبائن: «حتة من الموزة يا معلمة.. نص على مزاجك يا حاجة منى»، والرد دائمًا مُجاب بابتسامة صاحبتها قاربت على الخمسين من عمرها. الحاجة منى قاسم بدر، سيدة تبلغ من العمر سبعة وأربعين عامًا، شهرتها فاقت أقرانها بمهنتها التي اختارتها وهي «بنت 14»، تقول ل«التحرير»: «الناس بتقول لي يا حاجة وفي اللي بيقول يا معلمة»، لافتةً إلى أن اللقب الأول التصق بها منذ أول عمرة أدتها بالأراضي المُقدسة، قبل أن تشير إلى بداية عهدها بالجزارة، والتي أحبتها وتعلمتها حبا في والدها، حيث كانت طفلة شديدة التعلق به، لا تفارقه إلا وقت النوم، وبالطبع كان الوالد جزارًا بنفس المحل قبل أن تأتي منى إلى الدنيا. كبرت الصغيرة، وبدلًا من أن تذهب إلى المدرسة تتعلم لتقرأ وتكتب، اختارت أن تحذو حذو والدها وتسير على دربه، بينما أسفرت محاولاتها اللا نهائية عن تعلم الجزارة وهي بنت لم تُكمل ربيعها الرابع عشر بعد، وهو الوقت الذي ذبحت فيه أول عجل طوال حياتها، وتوالت بعدها الأحداث. أربعة أعوام كانت عمر «الجزارة الصغيرة» بين جُدران محل والدها تساعده وتفعل ما يُطلب منها سواء "تنظيفا أو تقطيعا"، إلى أن انتهت رحلة والدها -بعد مرضه- في الدنيا، ليفارق الحياة تاركًا الصغيرة واثنى عشر من أشقائها، بينهم خمس بنات، أغلبهن لم تتزوج بعد. بعزيمة يُحسد عليها أشد الرجال، تحملت الصغيرة المسئولية طواعيةً واختارت أن تجاور وتساند شقيقها الكبير في محل الجزارة من بعد والدها، وهنا كانت البداية الحقيقية ل«المعلمة منى»، والتي أشارت إلى أن الجميع وقتها كان غير مُعتاد على أن تقف بنت بمحل جزارة لتبيع لهم اللحوم وتقطعها، وهو الشك الذي كان ملازمًا لأول تعامل بينها وبين «الزبون»، والذي ما إن تعامل معها حتى تيقن من حُسن خبرتها بالمهنة، بل ويُفضل أن يأتي لشراء اللحوم من المكان بصفة منتظمة حتى يصير من «زباين المحل». مرت السنوات سريعًا على منى، وشقيقاتها البنات تزوجن وأصبحن «في بيت العَدل» لكن صاحبة المسئولية ضحت بشيء غير التعليم في سبيل حبها للجزارة، إذ راحت ترفض كل من يطرق بابها ويتقدم لخطبتها، حتى أولئك الذين عرضوا عليها أن تظل كما هي في الجِزارة، وأنهم سيقومون بشراء منزل لها على أن تفتح محلها الخاص هناك بجوار بيت الزوجية، إلا أنها أبت كل العروض واختارت الجزارة طريقًا ورفيقًا لا تمل منه أو تسأمه، وعن ذلك تقول: «اخترت المهنة ومبسوطة كده». وعن أغرب المواقف التي واجهتها في مهنتها، أشارت إلى أنها لن تنسى عجلًا كان وزنه 650 كيلو جرامًا، كان في شركة وذهبت لذبحه بمفردها: «كانوا رابطينه في شجرة والحبل اتقطع وأنا بادبحه، رفعت إيدي للسما وقلت يا رب.. وربنا كرمني ودبحته»، قبل أن تعترف بأنها «لا تزال تخاف من ذبح الأرانب».