شهدت العلاقات بين لبنان والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مؤخرا حالة من التوتر بسبب السياسة التي تتبعها المفوضية مع اللاجئين من خلال توضيحها لكل لاجئ الوضع الذي ينتظره في بلده إذا قرر العودة إليه، إلا أن هذه السياسة تسببت في غضب لبنان الذي يستضيف ما يقرب من مليون لاجئ سوري، والذي أنهكه وجودهم على أراضيه. بدأ التوتر بين الطرفين منذ إبريل الماضي حين أعلنت المفوضية عدم مشاركتها في عملية غادر بموجبها 500 لاجئ إلى سوريا، محذرة من الوضع الإنساني والأمني. وفي إطار هذا التوتر، أصدر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل قرارا منفردا بإيقاف طلبات الإقامة المقدمة لصالح مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، حيث أصدر تعليماته إلى مديرية المراسم لإيقاف طلبات الإقامات المقدمة إلى الوزارة والموجودة فيها لصالح المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان إلى حين صدور تعليمات أخرى، مطالبا بدراسة إجراءات تصاعدية أخرى قد تتخذ بحق المفوضية. تخويف اللاجئين ويتهم الوزير اللبناني المفوضية بعرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، من خلال القيام ب "تخويف" النازحين "عبر طرح أسئلة محددة تثير في نفوسهم الرعب من العودة". يأتي ذلك في الوقت الذي تعلن فيه المفوضية دائما، بأن هدفها الرئيسي هو ضمان حماية ودعم اللاجئين، وأن تكون عودتهم إلى بلدانهم اختيارية ومن دون أن يكون هناك أي خطر ينتظرهم لدى عودتهم، وهي السياسة التي تتبعها مع اللاجئين. اقرأ أيضا : اللاجئون السوريون في لبنان يفرون من الفقر إلى «الاتجاه المعاكس» قرار الوزير اللبناني استند إلى "التقرير الخطي الذي رفعته إليه البعثة المرسلة من قبله إلى منطقة عرسال شرقي لبنان التي تبين لها من خلال مقابلاتها مع نازحين سوريين راغبين بالعودة إلى سوريا، ومع موظفين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أن المفوضية تعمد إلى عدم تشجيع النازحين على العودة، بل تخوفهم". وحسب تقرير البعثة، فإن المفوضية تخيف النازحين من "الخدمة العسكرية والوضع الأمني وحالة السكن والعيش وقطع المساعدات عنهم، وعودتهم دون رعاية أممية، وغيرها من المسائل التي تدفعهم إلى عدم العودة". جاء قرار باسيل بعد عدة تنبيهات من الوزارة وجهت مباشرة إلى مديرة المفوضية في بيروت ميراي جيرار، وبعد استدعائها مرتين إلى مقر الوزارة وتنبيهها من هذه السياسة، وبعد مراسلات مباشرة من باسيل إلى الأمين العام للأمم المتحدة، دون أي تجاوب بل أمعنت المفوضية في نفس سياسة التخويف"، حسب "سكاي نيوز". وطلب باسيل بدراسة الإجراءات التصاعدية الأخرى الممكن اعتمادها في حق المفوضية، في حال إصرارها على اعتماد السياسة نفسها مع اللاجئين. واعتبر أنها تواجه السياسة اللبنانية القائمة على رفض التوطين واندماج السوريين النازحين في لبنان. تصرف أحادي مرفوض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، رفض خطوة باسيل شكلا ومضمونا ووضع البعض هذا القرار من باسيل في خانة "التصعيد الدبلوماسي"، كما وصفه البعض الآخر ب"الخطوة السلبية وحرب الإلغاء" ضد المنظمات الدولية من دون الأخذ بعين الاعتبار التداعيات التي قد تنتج عنها. وكشف مستشار الحريري، نديم المنلا ل"الشرق الأوسط" أن الحريري أبلغ باسيل رفضه الخطوة الأحادية طالبا منه العودة عنها سريعاً. وقال المنلا "من حيث الشكل هو تصرف أحادي من طرف واحد لا يعكس سياسة الحكومة ورئيسها المسؤول الأساسي عن موضوع السياسة الخارجية، كذلك قام باسيل بالتحقيق، ومن ثم إصدار الحكم على المفوضية وكأنه المسؤول عن ملف اللاجئين، في حين أن هناك وزيرا معنيا هو معين المرعبي، إضافة إلى رئيس الحكومة المكلف". اقرأ أيضا : اللاجئون السوريون.. بين رفض العرب وقبول الغرب ومن حيث المضمون، أوضح المنلا أنه ليس هناك من خلاف في لبنان حول عودة النازحين والتعامل مع المؤسسات الدولية لا يتم بهذه الطريقة والأسلوب بل هو مرتبط بسياسة حكومة وليس قراراً من وزير. وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال مروان حمادة انتقد أيضا تصرف باسيل، مشيرا إلى أن هذا الوزير يتصرف كأن الدولة تعلن حرب إلغاء على المؤسسات الدولية دون حساب للتداعيات المحلية على سمعة لبنان والخسائر المرتقبة إن لم يرحل النازحون وانقطعت المساعدات. هذا وحذّرت مصادر وزارية من تداعيات هذا القرار على عمل الأممالمتحدة في لبنان إذا قرّرت الأخيرة الردّ على لبنان بالمثل، كاتخاذ أي قرار مرتبط بعمل قوات "اليونيفيل"، بحسب "الشرق الأوسط". بيما يرى مراقبون أن هذه الإجراءات التي أصدرها باسيل تهدف للضغط لتأمين عودة اللاجئين. مصلحة لبنان العليا في المقابل تلقى باسيل تأييدا لقراره من وزيري العدل والطاقة سليم جريصاتى وسيزار أبى خليل، حيث قال الأول: "فى مسألة النزوح السوري، تسمو المصلحة اللبنانية العليا على كل اعتبار". وقال الوزير أبى خليل: "يستشيط بعض الزملاء في إطلاق المواقف من قرارات الوزير جبران باسيل لتغطية عجز أو تواطؤ، بات عليكم الاعتياد على وزراء تمارس صلاحياتها انطلاقا من المصلحة الوطنية والسيادة اللبنانية دون غيرهما". كما قال النائب السابق أمل أبو زيد معلقا على الإجراء: "لعلها من المرات النادرة يتجرأ فيها وزير خارجية لبناني ويتخذ تدبيرا صارما بحق منظمة دولية كمفوضية شئون اللاجئين، ردا على التمادي في سياسة تخويف النازحين السوريين في لبنان من العودة الى ديارهم، إنه العهد القوي". المفوضية تنفي المفوضية أعلنت أنها لم تُبلغ رسميا بالقرار، ونفى المتحدث باسم المفوضية في جنيف ويليام سبيندلر أن تكون المنظمة لا تشجع اللاجئين على العودة. وقال للصحفيين في جنيف: "نحن لا نعوق أو نعارض العودة إن كانت خيارا شخصيا، هذا حقهم لكن من وجهة نظرنا، فإن الظروف في سوريا ليست مواتية بعد للمساعدة على العودة رغم أن الوضع يتغير، ونحن نتابع الوضع من كثب". أما المتحدثة باسم المفوضية في لبنان ليزا أبو خالد، فاعتبرت أن المفوضية لم تتلق أي إشعار رسمي لتعليق إصدار طلبات الإقامة لموظفيها الأجانب. ولم تعلق المتحدثة على مدى تأثير الإجراء اللبناني في عمل المفوضية بلبنان، لكنها أشارت إلى أن معظم موظفي المفوضية في البلد المذكور من اللبنانيين. وأوضحت أن هناك ستمائة موظف في مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين هنا في لبنان والغالبية العظمى منهم لبنانيون، دون أن تقدم رقما محددا لعدد الموظفين الأجانب. اقرأ أيضا : من «كاليه» في فرنسا إلى «برايتون» في بريطانيا.. الأطفال اللاجئون يذوقون الأمرّين تجدر الإشارة إلى أنه في شهر أبريل الماضي، عاد مئات اللاجئين السوريين من مدينة شبعا اللبنانية إلى الداخل السوري، من دون تنسيق أممي، مما جعل منظمات دولية تتحدث عن أن ترحيلهم تم "قسرياً". وتحدثت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن أن عملية نقل اللاجئين السوريين من شبعا لم تكن باختيارهم. جاء هذا الاتهام ضمن تقرير للمنظمة الدولية اتهمت فيه بلديات لبنانية بعمليات إجلاء قسري لنحو 3664 لاجئاً سورياً، محذرة من أن نحو 42 ألف لاجئ آخرين يواجهون خطر الإجلاء. لكن رئيس بلدية شبعا محمد صعب قال إن اللاجئين السوريين الذين غادروا شبعا إلى بلادهم، لم يتم إجبارهم على ذلك، وإنما حدث ذلك بمحض إرادتهم. اقرأ أيضا : اللاجئون السوريون يفجرون الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين بأمريكا ومنذ يومين كشف رئيس بلدية عرسال اللبنانية باسل الحجيري أن هناك نحو ثلاثة آلاف لاجئ سيعودون إلى وطنهم خلال هذا الأسبوع، وأكد أن الأمر سيتم قبل عيد الفطر، مضيفاً أنهم طلبوا ذلك بأنفسهم، وفقا ل"رويترز".