تدخل مصر عصر الصناديق السيادية بإعلانها إنشاء صندوقها المالى الأول لإدارة أصول الدولة، ووفقًا لما أعلنته وزارة التخطيط يبلغ رأس مال "صندوق مصر" 200 مليار جنيه كبداية وتضمن قرار إنشائه حق تأسيس صناديق فرعية أخرى سواء مملوكة بالكامل للصندوق أو بالمشاركة مع الصناديق العربية. فما الصناديق السيادية؟ وما الهدف من إنشاء الصندوق المصرى؟ وكيف تدير الصناديق السيادية استثماراتها؟ وهل سيكون له تأثير سلبى على الاقتصاد أم أنه ملاذ آمن فى الأزمات الكبرى؟ ما الصناديق السيادية؟ هى صناديق مملوكة من قبل الدول تتكون من أصول مثل الأراضى، الأسهم، السندات، الثروات المعدنية، أو أى استثناءات أخرى، وتعتبر كيانات تدير فوائض الدولة من أجل الاستثمار، وأموالها المقدرة بالمليارات تستثمر عادة فى الأسهم والسندات. يعود تاريخ تأسيس أول صندوق سيادى فى العالم لعام 1953، وأنشأته الكويت باسم "الهيئة العامة للاستثمار"، لكنها بدأت فى التوسع بصورة كبيرة فى السنوات الأخيرة، مستحوذة على حصص فى مؤسسات عملاقة فى الاقتصاد العالمى مثل مورجان ستانلى، بير ستيرن، ميريل لينش، وسيتى جروب. وتتنازع 3 صناديق مركز الصدارة وفقا لحجم أموالها فى التقديرات المختلفة للمؤسسات المالية العالمية، وهى "صندوق أبوظبى للاستثمار"، "صندوق التقاعد الحكومى النرويجى"، و"الصندوق الصينى للاستثمار"، ويقترب كل منها من تريليون دولار. أهداف إنشاء صندوق سيادى مصرى قالت الدكتورة بسنت فهمى، عضوة اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إن الهدف من إنشاء الصندوق السيادى هو إدارة أصول الدولة، التى تفرق دمها بين الجهات المسئولة على نحو بات عائقا فى وجه المستثمرين، فمن يرغب فى عمل مشروع ما ويحتاج إلى قطعة أرض فعليه التوجه لجميع الجهات للبحث عمن يمكن إعطاؤه الأرض أما فى ظل وجود الصندوق السيادى فسيكون هناك جهة واحدة هى من تمتلك قرار التصرف الحقيقى وهذا الأمر سيسهل على الجميع ويعالج عوائق الاستثمار. وأضافت بسنت، أن الصندوق السيادى سيتمكن من حصر أصول الدولة التى لا يتخيل أحد حجمها المترامى فى مختلف المحافظات ليتم بعد ذلك إدارتها، ضاربة مثلا بالأراضى المترامية على ضفاف النيل، والتى لا يمكن أن يوصف أهميتها وحيويتها وتستخدم على أنها مقالب قمامة وفقط، فالأمر بشأنها سيختلف تماما مع وجودها تحت إدارة الصندوق وهى أراض يقدر ثمنها بالمليارات. وقال دكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار، إن الهدف من إنشاء الصندوق لن يكون قاصرا على إدارة الأصول ووجوده كجهة يحق لها التصرف لكنه سيعمل على تطوير الشركات التى ستصبح تحت إدارته والوصول إلى أفضل آلية فى إدارة ممتلكات الدولة المترامية لتحقيق عائد اقتصادى جديد. وتتمثل أهداف الصندوق وفقا لما أعلنته وزارة التخطيط فى المساهمة فى التنمية المستدامة، الاستخدام الأمثل للموارد العامة، رفع كفاءة البنية التحتية بكل مكوناتها، تحفيز الاستثمار الخاص، التعاون مع الصناديق السيادية العربية والأجنبية والمؤسسات المالية فى تحقيق خطط الدولة للتنمية الاقتصادية، وحفظ حق الأجيال القادمة فى الثروات والموارد الطبيعية. وتلعب الصناديق السيادية عبر العالم دورا هاما ضمن المنظومة المالية للدول المالكة لها، فهى أداة تدخل قوية فى أوقات الأزمات، كما أنها أداة استثمار كثيفة فى أوقات الانتعاش الاقتصادى. فخلال فترات الازدهار الاقتصادى يمكنها الاستثمار بكثافة لتعظيم قيمة أصولها ومضاعفة عائداتها منها، ودعم نمو الاقتصاد بمعدلات متسارعة، خصوصا فى مجالات البنية الأساسية والخدمات ذات العائد طويل الأجل. أما فى فترات الأزمات، فإن الدول تعول على صناديقها السيادية لسد الاحتياجات العاجلة وتمويل ما هو مهم لمنع انهيار المجتمع أو تجاوز الأزمة الاقتصادية، وهو ما حدث فى السنوات الأخيرة فى العديد من البلدان النفطية التى سحبت مليارات الدولارات من صناديقها السيادية لتعويض عجز موازنتها وتغطية الإنفاق العام، بعد التراجع فى أسعار النفط. رأس مال الصندوق المصرى الجديد وإدارته وأشارت بسنت فهمى، أستاذة التمويل والاستثمار، إلى أن المستهدف تحقيقه من الصندوق وهو 200 مليار جنيه لن يكون هناك عائق فى تحقيقه، لأن أملاك الدولة تتجاوز هذا الرقم مئات المرات، وهو ما سيتحقق فى لمح البصر من بيع الأراضى التى ينفق جانب كبير من أموالها على تطوير الشركات، كما أنه سيتم طرح عدد كبير من الشركات فى البورصة والمستهدف من الطرح ما بين 40 ل80 مليار جنيه. وأضافت أن الصندوق سيكون تحت إدارة المهندس إبراهيم محلب الذى سيتعامل من منطلق خلفيته كرئيس وزراء سابق للبلاد والصناديق الفرعية سيكون كل من يديرها على درجة وزير، وهم من أطلق عليهم (كتائب التعمير)، لافتة إلى أنه من المقرر عمل صناديق سيادية فرعية تدير أملاك الدولة فى مختلف المجالات، قائلة: "هيكون فيه صندوق سيادى مثلا للزراعة ومن سيديره سيكون على درجة وزير الزراعة وقادر على التصرف"، مؤكدة أنهم سيقومون بدعوة المهندس إبراهيم محلب للبرلمان لمناقشة تفاصيل الصندوق عقب إجازة عيد الفطر المبارك. "الصندوق المصرى مختلف"، هذا ما أكده دكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار، فهو لا يشبه الصناديق الاستثمارية العادية الموجودة بالفعل أو حتى صندوق أبو ظبى أو الكويت وغيرها من الدول، مؤكدا أن الصندوق سيكون به سيولة مالية تنفق فى بعض الاستثمارات، إلا أنها لم تحدد بعد نظرا لأنها مرتبطة بمكونات الصندوق، ولكن الأصل فى عمله هو الوصول إلى آلية لإدارة الأصول على نحو أمثل مما هو عليه. ويعتبر النفط أكبر مساهم فى تمويل الصناديق السيادية فى العالم، كما تسهم الاحتياطات النقدية بجزء كبير من مدخلات تلك الصناديق. ويثمن أغلب الخبراء الاقتصاديين دور تلك الصناديق فى الاقتصاد العالمى، حيث توجد حينما يفر معظم المستثمرين، ولعل المثال الأبرز على ذلك ضخها الأموال فى بنية الاقتصاد الأمريكى، حينما انسحب معظم المستثمرين جراء المخاوف من احتمال تعرض اقتصادها للركود والانكماش. بينما ينتقد الخبراء افتقاد هذه الصناديق الشفافية فى عملها، حيث لا يكشف أغلبها عن حجم أموالها أو نشاطها، أو عوائد استثماراتها. العقارات تتصدر ويتصدر الاستثمار العقارى والأسهم والسندات مع التعدين سواء فى النفط أو المعادن النفيسة وصناديق الأزمات، قائمة استثمارات الصناديق السيادية بنسبة 55%، غير أن الكثير منها يتوجه نحو الاستثمار فى السياحة والنقل وتكنولوجيا الاتصالات فى السنوات الأخيرة. وتهتم الصناديق العربية بالاستثمار فى أدوات الدخل الثابت، حيث تضخ معظم أموالها فى العقارات ومشروعات البنية الأساسية والأسهم فى البورصات العالمية، بينما تركز صناديق الدول الأخرى على مجالات النفط وتكنولوجيا الاتصالات. أصول الصناديق السيادية أعلنت شركة بريكين للأبحاث أن أصول الصناديق السيادية حققت نموا 13% فى مارس 2018 بالمقارنة بقيمتها قبل عام، محققة 7.5 تريليون دولار، نتيجة الارتفاع فى أسعار الأسهم العالمية. بينما حققت الصناديق العربية نموا بنسبة 1.3% خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2018 بقيمة إجمالية 3.01 تريليون دولار، مقابل 2.97 تريليون دولار فى ديسمبر 2017. ويتصدر "جهاز أبو ظبى للاستثمار" صناديق الثروة العربية، بأصول بلغت 828 مليار دولار، وهو ما يضعه فى المرتبة الثانية عالميا. واحتل صندوق "هيئة الاستثمار الكويتى" الترتيب الثانى عربيا والرابع عالميا بأصول إجمالية 524 مليار دولار. صندوق "مؤسسة النقد العربى (ساما)" السعودى جاء فى الترتيب الثالث عربيا والخامس عالميا، بإجمالى أصول 494 مليون دولار، تتركز فى استثمارات أجنبية فى أوروبا وأمريكا. بينما بلغت أصول "هيئة قطر للاستثمار" 320 مليار دولار، احتلت بها المركز التاسع عالميا والرابع عربيا. الصناديق العشر السيادية الكبرى فى العالم الأول: صندوق معاشات التقاعد الحكومى بالنرويج بإجمالى أصول 10.6 تريليون دولار.. أصبح الصندوق النرويجى أضخم صندوق سيادى فى العالم، محققا عائدات تتجاوز 4% سنويا، تتركز استثماراته فى قطاع العقارات فى أوروبا وأمريكا، كما يملك حصصا فى أكثر من 9000 شركة موزعة فى 75 بلدا حول العالم، منها Microsoft, Nestle, Apple. الثانى: جهاز أبو ظبى للاستثمار الصندوق الذى تأسس عام 1976، وهو أكبر صندوق سيادى عربى بأصول 828 مليار دولار، تتركز فى شركة الغاز النرويجية ومطار لندن، وكان آخر استثماراته الكبرى إبريل 2018، شراء 50% من ثلاثة فنادق كبرى فى هونج كونج بقيمة إجمالية 2.4 مليار دولار. الثالث: مؤسسة الاستثمار الصينية الصندوق الذى يدير جزءا كبيرا من الاحتياطى النقدى الصينى، وتبلع أصوله 814 مليار دولار، موزعة على قطاعات وبلدان متعددة، أهمها مطار هيثرو بلندن، وشركة خدمات Thames Water الإنجليزية، كما يمتلك مبنى المقر الرئيسى لبنك دوتشى فى لندن. الرابع: الهيئة العامة للاستثمار بالكويت الصندوق السيادى الأقدم فى العالم.. تأسس عام 1953 بهدف استثمار فائض عائدات النفط، وبلغت أصوله 524 مليار دولار، ويمتلك أصولا بشركة دايملر بنز (مرسيدس الألمانية) وشركتى بى بى البريطانية، والمجموعة العربية للتأمين فى البحرين. الخامس: مؤسسة النقد العربى (ساما) بالسعودية الصندوق التابع للبنك المركزى السعودى، وتتجاوز أصوله 514 مليار دولار، غير أن استثماراته تتميز بالسرية، وغير معروف آليات اتخاذ القرار والإدارة. السادس: هونج كونج للنقد الأجنبى صندوق صينى آخر لكن يتبع فى إدارته هونج كونج المالية، ويستخدم لدعم عمله دولار هونج كونج، وبلغت أصوله فى أحدث تقدير 457 مليار دولار. السابع: شركة سيف Safe الاستثمارية بهونج كونج يمثل الصندوق الفرع الصينى لإدارة النقد الأجنبى، ويهدف لاستثمار الاحتياطى النقدى الصينى، بأصول إجمالية 441 مليار دولار، يتم استثمارها فى بنوك أستراليا ونيوزيلندا، بالإضافة لحصص فى شركة فيات الإيطالية للسيارات وتيليكوم إيطاليا للاتصالات. الثامن: مؤسسة سنغافورة للاستثمار أحد أقدم الصناديق فى العالم تأسس عام 1981، وبلغت أصوله 359 مليار دولار. التاسع: جهاز قطر للاستثمار الصندوق الذى تأسس عام 2005 لاستثمار فائض عائدات النفط والغاز، تتركز استثماراته فى ملكية نادى باريس سان جيرمان الفرنسى، مجموعة فولكس فاجن الألمانية للسيارات، سوق لندن للأوراق المالية، بالإضافة لمجموعة كبيرة من الفنادق الفرنسية الشهيرة منها لومبار، كينسكى، ماجيستيك و كواسلان. العاشر: الصندوق الوطنى للضمان الاجتماعى تأسس لمعالجة مشاكل الشيخوخة المتزايدة فى الصين، وبلغت قيمة أصوله 295 مليار دولار، وهو الصندوق السيادى الصينى الرابع.