الأرمن جالية عريقة لها تاريخ طويل في مصر، وقد بدأوا في التوافد عليها منذ القرن الحادي عشر، وهو زمن الدولة الفاطمية، حيث بدأت هجرتهم الطوعية من سوريا وسائر بلاد الشام إلى مصر، ليتمتعوا بكامل الحريات الثقافية والاجتماعية والدينية، كما شهد عصر محمد علي باشا، بين عامي 1805 و1849، تزايد توافد الأرمن ليصل عددهم إلى 12 ألفا و754، وقد استعانت بهم الدولة في بعض الوظائف الحكومية. أما الهجرة القسرية إلى مصر، فبدأت عام 1915، حيث هرب الأرمن من بطش الأتراك في حينها، وقد استقبلت محافظة بورسعيد حتى عام 1919 نحو 8144 أرمنيًا، وأقيم لهم مخيم بمنطقة الكرنتينا يضم 900 خيمة وفرنًا ومستشفى ومدرسة ومشغلًا، حتى زالت المخاطر وعاد 84% إلى أوطانهم فيما تبعثر الباقون بين القاهرةوالإسكندرية وبورسعيد. هذا ما تعرضت له المخرجة نورهان جمال مصطفى، في فيلمها القصير "أرمنلي" الذي يجمع ما بين الحس التسجيلي والروائي، وتدور قصة الفيلم حول علاقة الفن بترسيخ الهوية الأرمينية للمصريين الأرمن بعد المذبحة والتهجير من البلد الأم منذ القرن الرابع عشر، كما يروي الفيلم قصة المذبحة الأرمينية وتفاصيل المجتمع الأرميني، إلى الإجابة عن السؤال الأهم.. إلى أي بلد يكمن انتماء الأرميني المصري؟ عدة روايات قصّها أرمنيون على مخرجة الفيلم، وعبارات رنانة عن انتمائهم وولائهم رددوها، مثل "نحن شعب الله"، و"أرمينيا هي الأم التي أنجبت دون أن تربي، ومصر هي الأم التي ربت دون أن تنجب"، و"أنا أرمينية مصرية وطائفتي ديه أحسن من الفول والطعمية"، و"مصر بلادي ومعرفش غيرها". كما يرصد الفيلم عددًا من الفنانين الأرمن الذين برزوا في مصر، وأشهرهم بيروز أرتين كالفيان، الطفلة الشهيرة ب"فيروز" والتي اكتشفها أنور وجدي وغنّت معه الأغنية الشهيرة "معانا ريال"، والفنانة نونيا كوبيليان الشهيرة ب"لبلبة"، والمطربة فرتانوس جاربيس سليم الشهيرة ب"أنوشكا". كما أشار الفيلم إلى أن الأرمن يفضّلون الزواج من أفراد الجالية فقط نظرا لقلة العدد، وحفاظا على اللغة، ولخّصها الفيلم بعبارة على لسان متحدثة: "أنا أرمينية أتجوز أرميني". ختام رائع ومؤثر نهت به المخرجة نورهان جمال، فيلمها عن الأرمن، بترديد واحدة من اللاتي ظهرن في الفيلم، أغنية "مصر هي أمي". "أرمنلي" من إخراج نورهان جمال مصطفى، وسيناريو فيبي فرانسيس، آية جندية، مارينا رأفت، وشروق ممدوح، وتصوير صهيب أشرف، ومونتاج فريق العمل بالتعاون مع مكتب تيرا ميديا، ومدة العرض 16 دقيقة، مصر 2017. نورا جمال هي مخرجة شابة تعمل في مجموعة MBC ك"بروديوسر"، وفيلم "أرمنلي" هو التجربة الإخراجية الثالثة في الأفلام القصيرة بعد خبرة 4 سنوات في مجال الصحافة والتقارير المصورة. مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير هو احتفالية سينمائية أسستها جمعية "دائرة الفن"، وتُقام فى شهر أبريل من كل عام بمدينة الإسكندرية، ويهدف المهرجان إلى نشر ثقافة الفيلم القصير بين الجمهور، وخلق حوار وتواصل بين صنّاع الأفلام والجمهور، ويتضمن المهرجان في دورته الرابعة ثلاث مسابقات رسمية يعرض من خلالها 35 عملًا قصيرًا، ويترأسه شرفيًا المنتج الكبير محمد العدل، برئاسة المخرج محمد محمود، والمدير الفني موني محمود والمدير محمد سعدون.