زادت احتمالات نشوب صراع بين الولاياتالمتحدةوإيران الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن أشرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "الصقور" المتعصبين في إدارته، حيث طالب مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران، والتدخل لتغيير النظام الحاكم في طهران، فيما وصف وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو الاتفاق بأنه "كارثة". وأشارت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، إلى أن "ترامب" أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه لن يقبل أي "تغييرات تجميلية" على الاتفاقية، وهو ما يعني أن الاتفاق النووي أصبح قاب قوسين أو أدنى من نهايته. وأضافت أن تصعيد المواجهة بين الولاياتالمتحدةوإيران، تسبب في حالة من التوتر في الشرق الأوسط، حيث ارتفعت أسعار خام البترول بسبب مخاوف انقطاع الإمدادات من الخليج. اقرأ أيضًا: كيف يؤثر تعيين «بومبيو» بالخارجية على السياسات الأمريكية؟ كما انخفضت قيمة الريال الإيراني بمقدار الربع في أقل من ستة أشهر، وأعرب وزير الخارجية العراقي حيدر العبادي عن مخاوفه من أن تتخذ المواجهة بين إيرانوأمريكا أراضي العراق مسرحًا لها. وقالت الصحيفة البريطانية، أن النهج الذي يتبعه "الصقور" في تعاملهم مع إيران، يشبه إلى حد كبير ما حدث خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش قبل غزو العراق في 2003، ففي كلتا الحالتين، يجهل الداعون إلى استخدام الحل العسكري العواقب التي في انتظارهم. فعلى سبيل المثال، كان لبومبيو رأي يراه بسيطًا لحل المشكلة النووية الإيرانية، حيث صرح خلال عضويته في الكونجرس، بأنه "يمكن تدمير القدرات النووية الإيرانية بعد ألفي طلعة جوية فقط". لكن عددا من المتفائلين في واشنطن، الذين أصبحوا عملة نادرة خلال الفترة الأخيرة، قللوا من أهمية هذه الخطب الداعية للحرب، لكن في الواقع، الأمر له آثار عدة. فدائمًا ما تأخذ الحكومات هذه التهديدات على محمل الجد، وتبحث عن طرق لمواجهتها، فعلى سبيل المثال، بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003 ظهر شعار "بغداد اليوم وغدًا دمشقوطهران" بين المحافظين في الإدارة الأمريكية. كانت هذه الشعارات كافية لدفع الحكومتين السورية والإيرانية، للقيام بكل ما في وسعهما للتأكد من عدم تمكن الولاياتالمتحدة من البقاء في العراق. اقرأ أيضًا: انسحاب أمريكا من سوريا.. هل تندلع أزمة بين ترامب و«بولتون»؟ وبالنظر إلى الوراء، فإن غزو العراق كان بمثابة نقطة تحول لهيمنة القوى الأنجلوسكسونية على المسرح العالمي، حيث أدت المبررات الكاذبة للحرب، وفشل الداعون لها في مواجهة خصومهم الأقوياء نسبيا، إلى تحويل الصراع الذي كان من المفترض أن يكون استعراضا للقوة إلى دليل على مدى ضعفهم. وأشارت "الإندبندنت"، إلى أنه إذا كان الشرق الأوسط على حافة أزمة جديدة، بمشاركة إيران، فإن الولاياتالمتحدة في وضع أضعف بكثير مما كانت عليه قبل ترامب. حيث انتشرت الانقسامات داخليا، كما ابتعد عنها الحلفاء، فلم يعد بإمكانها السيطرة على قواعد اللعبة كما كانت تفعل من قبل، وعلى مدار العام الماضي، كان هناك أدلة دامغة على ذلك. ففي شهر مايو، زار ترامب السعودية، وقدم دعمًا لا بأس به لقادة المملكة، وألقى باللوم على إيران في الوقوف وراء كل مشكلات المنطقة، لكن تبين أن الهدف الرئيسي للسعودية والإمارات لم يكن "إيران" بل قطر، ليتسبب ترامب في تفتيت الجبهة الموحدة لممالك الخليج ضد إيران. اقرأ أيضًا: أزمة قطر تصيب مجلس التعاون بالشلل.. واحتمالية نشوب صراع بالمنطقة وأضافت الصحيفة، أن ما يدعيه ترامب بضعف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وفشله كمفاوض، ما هو إلا ذكاء من أوباما لتحقيق الأهداف الأمريكية دون الحاجة إلى تورط في حروب لا فائز فيها. لم يكن هذا الأمر مفهوما على الإطلاق من قبل مؤسسات السياسة الخارجية الأمريكية، التي ظلت عالقة في فترة ما قبل عام 2003، عندما كانت الولاياتالمتحدة في أوج قوتها في السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي. وهو ما لم يتمكن الصقور مثل بولتون وبومبيو من استيعابه، والذين فشلوا أيضًا في رؤية حقول الألغام السياسية والعسكرية التي هم على وشك التعثر فيها. قد تكون المؤسسة الأمريكية وحلفاؤها مرعوبين من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، لكن هذا ما هو مقبل عليه، فمن المتوقع أن يعيد ترامب فرض العقوبات على إيران، وهو ما قد يلحق الضرر بطهران، لكنه سيؤدي أيضا إلى عزل الولاياتالمتحدة. ومهما كانت نتيجة المواجهة بين الولاياتالمتحدةوإيران، فلن يجعل هذا "أمريكا عظيمة مرة أخرى"، حيث كان الجزء الشمالي من الشرق الأوسط، جنوبتركيا وشمال السعودية، مقبرة التدخل الأمريكي. وينطبق هذا على لبنان في الثمانينيات، عندما تم تفجير السفارة الأمريكية، وقُتل 241 من أفراد القوات الأمريكية بعد انفجار شاحنة ملغومة في بيروت، كما حدث في العراق بين عامي 2003 و2011، وسوريا منذ عام 2011 حتى يومنا هذا. وألقت الولاياتالمتحدة باللوم على إيران بالوقوف وراء هذه السلسلة من الفشل، وهو تفسير قد يكون صحيحًا بشكل جزئي، لكن السبب الحقيقي هو أن الولاياتالمتحدة كانت تقاتل طائفة بدلاً من دولة واحدة. اقرأ أيضًا: يدعم قصف إيران وكوريا الشمالية.. من هو «بولتون» مستشار ترامب للأمن القومي؟ كل هذه الدول التي فشلت فيها الولاياتالمتحدة ذات أغلبية شيعية، كما هو الحال في إيرانوالعراق، أو يمثل الشيعة جزءًا من النظام الحاكم كما في لبنان، أو أقلية حاكمة كما هو الحال في سوريا. وباعتبارها الدولة الشيعية الأقوى، تتمتع إيران بميزة هائلة عندما يتعلق الأمر بمحاربة أعدائها في مثل هذه الأجواء الدينية المفعمة بالتعاطف. وأكدت الصحيفة أن التغيير الجديد في واشنطن، يوصف بأنه "حكومة حرب" وقد يتبين أنها مجرد حكومة متعصبة فقط، لكن بالنظر إلى الرجال الجاهلين المتغطرسين مثل بولتون وبومبيو، فمن الصعب تجنب الشعور بأن هذا الأمر سينتهي بكارثة.