أصبحت إيطاليا واحدة من أكثر الدول التي شهدت تنامي النزعة الشعبوية في أوروبا، بعد حصول حركة النجوم الخمسة، وحزب الرابطة على أعلى الأصوات في الانتخابات العامة الأخيرة. وأشارت شبكة "يورونيوز" إلى أن إيطاليا مجرد صورة مصغرة لما يحدث في أوروبا التي تشهد نموا في الأحزاب المعادية للمؤسسات، حيث شهدت 5 دول فقط من دول الاتحاد الأوروبي الخمس والعشرين، تلاشي النزعة الشعبوية على مدار العقد الماضي. وشهدت دول جنوب ووسط أوروبا الطفرة الأكبر في النزعة الشعبوية، لكن هذه النزعة أصابت عددا من الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانياوفرنسا وإسبانيا، وكذلك الدول الإسكندنافية، وأبرزها فنلندا والسويد. لكن المجر، التي من المقرر أن تعقد انتخابات في الشهر المقبل، تعد معقل الشعبوية الأكبر في الاتحاد الأوروبي بحصة تبلغ 65٪ للأحزاب المعادية للمؤسسات. وفي ظل تنامي النزعة الشعبوية في الاتحاد الأوروبي، طرحت "يورونيوز" عددًا من الأسئلة حول الشعبوية في أوروبا: ما الشعبوية؟ تسعى الأحزاب الشعبوية لاستقطاب المواطنين العاديين، الذين يشعرون بأن مخاوفهم تم تجاهلها من "المؤسسات"، وغالبًا ما يقود تلك الأحزاب زعيم ذو كاريزما. وتقول روث وداك الخبيرة في الشعبوية بجامعة "لانكستر"، إن الشعبوية تنقسم إلى نوعين: وهي الشعبوية اليمينية، وتنتشر في وسط وشمال أوروبا، وتركز هجومها على "النخبة" بسبب قضايا قومية. وتضيف "وداك" في الجنوب، تنتشر الشعبوية اليسارية، وتركز على قضايا مثل الرأسمالية والعولمة، في هجومها على ما تسميه "المؤسسات". كيف سقطت أوروبا في مستنقع الشعبوية؟ تشير الخبيرة النمساوية إلى أن أوروبا شهدت موجة من الشعبوية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولاياتالمتحدة، حيث شرعنت الحملة الأمنية التالية لها، التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان، وساعدت على بزوغ الأحزاب اليمينية. وأضافت "وداك"، أن الأزمة المالية التي شهدها العالم بعدها، تسببت في تعزيز النزعة الشعبوية في جنوب أوروبا، وسط مخاوف من انتشار الفقر والبطالة. وكانت البداية في اليونان، حيث تصاعدت الأحزاب الشعبوية من طرفى الساحة السياسية، مثل حزب "سريزا" اليساري، وحزب "الفجر الذهبي" اليميني. وأشارت وداك إلى "أنه في الوقت نفسه ظهرت الشعبوية في دول وسط وغرب أوروبا مثل النمسا وسويسرا، والدول الإسكندنافية"، مؤكدة أن الدافع في هذه البلاد "لم يكن تعرضهم للأزمة المالية ولكن بسبب الخوف من أن تصيبهم"، وكانت وجهة نظرهم تكمن في رفض المهاجرين "من أجل حماية بلدك ومصالحك، ولحماية رفاهيتك". وتضيف "وفي دول أوروبا الشرقية أثارت موجة اللاجئين التي ضربت تلك البلاد، صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية بشكل كبير، خاصة في المجر وبولندا حيث تتمتع هذه الأحزاب بالأغلبية في الائتلافات الحاكمة". هل ستكون الشعبوية الواقع الجديد في أوروبا؟ يرى فيليب مارلير الخبير في السياسة الأوروبية بكلية لندن الجامعية، أن هذا الأمر يتوقف بشكل كبير على رد فعل الأحزاب الرئيسية التي خسرت سلطاتها. ويقول مارلير إن أوروبا دخلت في أزمة سياسية بعد نهاية دورة سياسية طويلة سيطرت فيها الأحزاب المحافظة بالاشتراك فى الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية على الساحة السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وصرح ل"يورونيوز" بأن "الأحزاب الرئيسية أصبحت غير شعبية إلى حد كبير، لأن الناس رفضت سياساتها، وهو ما خلق فراغا يمكن أن تملأه الأحزاب الشعبوية". وأضاف: "إما أن تتكيف هذه الأحزاب أو تتغير، إنه تحد خطير للغاية لدول مثل فرنساوألمانيا وإسبانيا وإيطاليا". ماذا سيكون التأثير المترتب على تحول أوروبا نحو الشعبوية؟ ترى "وداك" أن ميل أوروبا تجاه الأحزاب المعادية للمؤسسات، جعل السياسات اليمينية أكثر قبولًا، قائلة إن "سياسات الهجرة أصبحت أكثر صرامة، حتى في البلدان التي لا يوجد فيها لاجئون أو مهاجرون". مضيفة أن "بعض السياسات التي تتبناها الأحزاب الشعبوية، تم النظر إليها بعين الاعتبار، ونُفذّت"، وأكدت أن القادة الشعبويين، ساهموا في انتشار الخطاب العدائي. وقالت الشبكة الأوروبية، إنه من الممكن أن يكون للشعبوية آثار أكثر من ذلك على مستقبل الاتحاد الأوروبي، حيث يقول بعض الخبراء إنه سيكون هناك مزيد من التوتر بين الاتحاد الأوروبي ودول مثل المجر وبولندا، ما لم يبد الاتحاد الأوروبي استعداده لسماع الرسالة التي يحاول الناخبون الشعبويون إرسالها على مدار العقد الماضي. حيث يرى مارلير أنه "هناك الكثير من القوى في أوروبا التي لا تحب أن تكون جزءا من شيء يسمى الاتحاد الأوروبي"، مضيفًا "أن الحل الوحيد أمام الاتحاد الأوروبي حتى يبقى على قيد الحياة، ويعيد إطلاق نفسه، هو النظر إلى كل هذه المشكلات والتحديات القادمة من اليسار واليمين وأن يستمع إلى الناخبين". مؤكدًا أن "التغيير ضروري، حتى يتمكن الاتحاد الأوروبي من النجاة".