كتب: سمير رمزي في إبريل 2017 وعقب العمليات الإرهابية الآثمة التي استهدفت المُصلين في كنستين بطنطا والإسكندرية، وقف الرئيس المصري ليعلن دعوته لتأسيس مجلس قومي لمكافحة الإرهاب والتطرف، ليختص بتعضيد جهود الدولة والمجتمع في مكافحة التطرف والإرهاب داخل مصر، وعقب مرور ثلاثة أشهر على هذا الإعلان، أصدر الرئيس قرارا جمهوريا في يوليو بتأسيس المجلس بهدف "حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره"، وجاء تشكيل المجلس ليعكس هذا الهدف، وذلك عبر المزج في عضويته بين بعض القيادات المجتمعية والشخصيات العامة وكذلك كبار قيادات الدولة. وحدد القرار موعد انعقاد المجلس كل شهرين بناء على دعوة الرئيس أو في حال الضرورة، كما جاء على رأس اختصاصات المجلس إقرار استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف داخليا وخارجيا، والتنسيق مع المؤسسات الدينية والأجهزة الأمنية لتمكين الخطاب الديني الوسطي المعتدل ونشر مفاهيم الدين الصحيح في مواجهة الخطاب المتشدد بكل صوره، ووضع خطط لإتاحة فرص عمل بمناطق التطرف، ودراسة أحكام التشريعات المتعلقة بمواجهة الإرهاب داخليا وخارجيا، واقتراح تعديل التشريعات القائمة، والارتقاء بمنظومة التنسيق والتعاون بين كل الأجهزة الأمنية والسياسية مع المجتمع الدولي، خاصة دول الجوار والسعي لإنشاء كيان إقليمي خاص بين مصر والدول العربية يتولى التنسيق مع الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. ومنذ ذلك التاريخ لم يتم الإعلان عن انعقاد المجلس رغم تكرار العمليات الإرهابية، وتزايد عمليات مكافحة الإرهاب التي تشنها قوات الجيش والشرطة ضد الجماعات الإرهابية في مختلف ربوع مصر، ليأتي التساؤل عن طبيعة دور المجلس القومي، وأين أنشطته التي حددها القرار الجمهوري، ويتعاظم ضرورة هذا التساؤل في ظل العملية الشاملة التي تشنها الدولة المصرية ضد الإرهابيين، فلم نشاهد للمجلس أي دور يُذكر حتى هذه اللحظة. وقد يجادل البعض باحتياج عملية كإعداد استراتيجية وطنية شاملة لبعض الوقت، ورغم عدم دقة هذا القول نظرا لوجود العديد من الدراسات والأوراق والنظريات المعنية بمكافحة أسباب نشوء الإرهاب، سواء الأوراق التي أعدها متخصصون مصريون أو أجانب، وناهيك بالاستراتيجية الوطنية المزمعة، فأين الأدوار الأخرى للمجلس، وماذا يحول دون قيام المجلس بدور مثل دراسة التشريعات المُعطلة لعملية مكافحة الإرهاب؟ ألسنا في أمسِّ الحاجة لإجراء هذه المراجعة، علاوة على نشر الأفكار الدينية الصحيحة وتمكينها في المجتمع المصري، والأخير يعاني من سيطرة الخطاب الديني المتطرف على عقول أبنائه منذ عشرات السنوات. وبتتبع الأخبار المتعلقة بنشاط المجلس، وجدنا أن السبب الرئيسي في تعطل نشاط المجلس هو لجوء الحكومة لإصدار قانون بتشكيل المجلس من جانب مجلس النواب استكمالا للقرار الجمهوري، وذلك لتكون قراراته أكثر إلزامية وفعالية، وقامت الحكومة بإحالة القانون إلى مجلس النواب في 31 يناير الماضي، ومنذ ذلك الوقت ولم تصدر أي بيانات عن البرلمان بخصوص القانون المنتظر. ونطرح هذا التساؤل في ظل ضرورة طرح مسودة هذا القانون على الرأي العام، بما في ذلك استطلاع آراء منظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث وكذلك المؤسسات الدينية المعنية بمشاركة المجلس مهامه، وألا تقتصر مناقشته في لجان الدفاع والتشريع في البرلمان، وذلك من أجل تعزيز مشاركة المجتمع في دعم جهود الدولة في عملية مكافحة الإرهاب. وينبغي أيضا الانتباه في مشروع القانون إلى ضرورة منح المرونة اللازمة للجهاز التنفيذي للمجلس من أجل تنفيذ اختصاصاته بشكل يبعده عن الإجراءات الروتينية التي ترتبط بنشاط المجالس القومية في مصر، والتي أدت إلى استغراق عملية إنشاء المجلس نفسها نحو عام كامل منذ توقيت الإعلان عنه في إبريل 2017. فضلا عن ضرورة إيجاد آليات واضحة للتنسيق بين المجلس وقوى المجتمع المختلفة، وإعطاء هذه القوى الاجتماعية بعضا من مسئوليات تنفيذ مهام المجلس، والمشاركة في عمليات صنع قراراته واتخاذها، ليتسنى تشكيل ظهير اجتماعي قوي يستطيع مؤازرة جهود الدولة في مكافحة الإرهاب، وتبدأ عملية المشاركة الاجتماعية من مرحلة إعداد القانون، وهي المشاركة التي يبدو أن مجلس النواب لا يضعها في اعتباره، ما انعكس في عدم طرح مسودة القانون على الرأي العام حتى هذه اللحظة. وعلاوة على الأبعاد الاجتماعية والتنفيذية، يجب أن يراعي القانون البعد الإعلامي في عملية مكافحة الإرهاب، خصوصا مجال الإعلام الاجتماعي الحديث، ولا نعني هنا تشديد القيود والمراقبة على حسابات الأفراد أو الأخبار المنشورة، فهذه عملية تتكفل بها أجهزة الدولة المعنية، لكننا نعني ضرورة استخدام وسائل الإعلام الحديثة في تفكيك الخطاب الإرهابي، ونشر خطاب التسامح وقبول الآخر. بالإضافة إلى ضرورة النظر في البعد الاقتصادي لظاهرة الإرهاب، لا سيما أن العامل الاقتصادي من أبرز العناصر التي تُيسر من عملية تجنيد الشباب لحساب هذه الجماعات التكفيرية، وهو ما يتوجب شحذ جهود الدولة والمجتمع في تحسين أوضاع القرى والنجوع والعشوائيات الفقيرة، وهي الروافد الأساسية لمد هذه الجماعات بالعناصر الإرهابية. ولا يسعنا هنا سوى أن نتمنى أن يكون مشروع القانون قد احتوى على مثل هذه الأبعاد وغيرها، خاصة مع صعوبة وصول أفراد المجتمع إلى مشروع القانون حتى هذه اللحظة.