هذه الدقات التى تنخر فى رأسى، إلى متى سأصمد أمامها؟ بدأوا فى تحطيم السور الملاصق لى، حسنا، لا يزال أمامى بضع دقائق لأحكى قصتى. منذ أكثر من مئة عام، نشأت فى هذا المكان بالذات، فى تلك البقعة السمراء من هذه الأرض الخصبة الطيبة. كنت أنمو قدر راحتى وبعزم استطاعتى كنت أضرب بجذورى اليافعة فى باطن الأرض بجسارة، وأوجه أفرعى نحو السماء، شرقا و غربا، أنبت الأوراق، وأكثف الظلال على مساحة فسيحة أسفل منى. صحيح لم أكن أنتج ثمارا، ولكنى أنتجت زهورا كل ربيع، وليس أية زهور، كانت زهورى البيضاء النقية تنشر فى الجو روائحها الزكية تجذب الأنوف قبل الأنظار إلىّ وتثير بى الإعجاب. كم قاومت رياحا، أمطارا وأعاصير، كم لها تحتى الصغار، كم تسلقنى الصبيان، ولعبت تحتى الفتيات، راقبتهم وهم يتحولون رجالا ونساء، ثم شيوخا. يقولون إنى شختُ، ولكنى لم أشخ بعد، وإنما هزتنى العواصف وهزمتنى الرياح الممطرة يوما، لم أسقط، ولكنى ركنت إلى السور المقارب لى فانشرخ وليس بخاطرى. لست الجانية، ولكنى مجني عليّ عندما هزتنى الرياح العاتية بعنف، وعندما بنوا سورا بقربى حد من حريتى وحقى فى الامتداد كما أشاء، ثم بنوا بيتا وراءه والآن يقولون إن حياتى تهدد بناء ذلك البيت، فقرروا هدم السور ثم قطعى. نسوا زهورى التى كانت تتساقط تحت أرجلهم، وتزين ممراتهم، عصافيرى الجميلة التى كم متعت آذانهم بغنائها، الأوقات الطيبة التى كانوا يقضونها فى ظلى الواسع يحميهم من هجير الحر. لن يستطيعوا محو آثارى، حتى إذا نجحوا فى قطع ساقى الممتدة فى السماء لعشرات الأمتار، لا تتركوها مهملة على الأرض تحت مياه الأمطار فتصير ساقا مخوخة، ينخر فيها النمل والدود. اقطعوها ألواحا خشبية تفيدون بها فى بيوتكم وتهنؤون، حتى إذا صارت حطبا تستدفئون به فى ليالى الشتاء الباردة ثم أمست رمادا، فسيتحول حينئذ إلى سماد عضوى يسرى فى باطن الأرض يغذى التربة، وتنتشر روحى بين ثنايا المزروعات، تنتج الخير والنماء. ترى أين ستبنى عصافيرى أعشاشها الجديدة؟ وهل ستنمو بعدى شجيرات لتقوى وتبقى، أم سيكون مصيرها مثلى؟ أم سيقتلعون جذورى؟