منذ أن قسّمت أمريكا العالم إلى "جود جايز وباد جايز"، أى إلى أخيار وأشرار فى أفلام الويسترن والأكشن وحتى فى قصص الكوميكس المصورة، انتقل ذلك التصنيف الساذج إلى عالم السياسة، وتعامل معه عامة الناس باعتباره حقيقة واقعة لا تقبل الشك، لأنه يتماشى مع ثقافتهم المحدودة التى لا تمكنهم من رؤية العمق الحقيقى للصراعات السياسية، واختلاف ألوانها الذى يسمح بتعدد الدرجات بين الأبيض والأسود، وابتلع كثيرون منهم الطعم الذى يروجه من يجلسون على مقاعد الحكم بأنهم الأخيار والخيار الأوحد، وأن من يتنافسون معهم على السلطة لا بد أن يكونوا من الأشرار الذين يضمرون نواياهم الخبيثة لتدمير الأوطان وتشريد أهلها. صار من المألوف أن ترى على شاشة السينما حربا بين الجيش الأمريكى وجيش آخر، لا بد أن يكون من الإرهابيين أو الهلافيت، وعندما يتأزم الموقف وتقع قوات المارينز تحت الحصار، لزيادة الحبكة الدرامية فقط وتصعيد الأزمة للوصول بالمشاهد إلى ذروة التشويق والإثارة، تسمع فجأة أزيز الأباتشى القادمة من بعيد فتنطلق هتافات الجنود الأمريكيين المحاصرين معلنة عن قدوم العون والمدد من "الجود جايز"، الذين سيعدلون كفة الميزان. هكذا ببساطة وبدون حاجة إلى أسباب مقنعة يصبح المارينز من الأخيار رغم أنهم يحاربون على أرض يحتلونها، ربما تكون فيتنام أو العراق التى غزتها القوات الأمريكية بدعوى كاذبة عن وجود أسلحة دمار شامل لم يتم اكتشافها أبدًا. فى عالم السياسة يمكن أن يختلف معك منافسك فى الرؤية وفى أسلوب الإدارة، ومن حقه تمامًا أن يروج لأفضليته ببرنامج يعلنه للجميع، ومن حقه أن يكشف على الملأ أخطاء إدارتك للملفات الاقتصادية والسياسية طالما يملك الدليل، ومن العجيب أن تتهمه بأنه من "الباد جايز"، الذين يهدفون إلى تدمير الوطن بلا دليل لمجرد محاولته الاقتراب من طرح نفسه على الرأى العام كبديل يملك رؤية مختلفة. لماذا ينتفض الرؤساء العرب جميعهم دائمًا عندما يستشعرون اقتراب غيرهم من مقاعد الحكم التى لم تخلق لكى تكون حكرًا عليهم وحدهم، بل لكى يجلس عليها من يستحقها؟ لماذا يستدعون وقتها نظريات المؤامرة وتخريب "الباد جايز" للأوطان، ولا يكون ذلك حافزًا لهم لمزيد من الانحياز للمطحونين بالأفعال وليس بمجرد الكلمات؟ الدولة الديمقراطية لا تضمن بقاءها واستقرارها بشخص يقبض بأنيابه على السلطة ويقسم لك طوال الوقت بأنه "الجود جاى" الوحيد الذى وضعته الأقدار لكى يدمر الأشرار الذين يحاولون الاقتراب من السلطة، بقدر ما تضمنه لها مؤسساتها المنضبطة التى تطبق القانون والدستور بشفافية على الجميع. لشد ما كان مشهد القذافى بائسًا وهو ينعت معارضيه بالفئران ويتهكم عليهم قائلاً: لا تظنوا أنى سأرحل مثل بن على وحسنى مبارك، وانظر إلى نهايته المأساوية. هذه المشاهد المؤلمة يزيدها بؤسًا ورعبًا أن أحدًا لا يتعلم منها أبدًا.