تسببت هجمات برشلونة الأخيرة في حالة من التقارب بين السياسيين الكتالونيين والأسبان، لتقديم صورة من التضامن ضد الإرهاب، لكن الأمر لم يدم طويلًا. حيث حضر كل من الملك فيليب السادس ملك إسبانيا، وماريانو راخوي رئيس وزراء إسبانيا، حفل تأبين الضحايا، كما عقد الأخير اجتماعًا مع القائد الكتالوني كارليس بويجديمونت، للمرة الأولى منذ أبريل 2016. وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إلى أن تلك الحالة من التوتر بدأت في التصاعد مرة أخرى بعد القبض على منفذي الحادث، وكذلك مع اقتراب موعد إجراء استفتاء استقلال إقليم كتالونيا في 1 أكتوبر المقبل، والذي هدد راخوي باللجوء للقضاء لإلغائه. وأكد رامون بيريلو، رئيس تحرير صحيفة "بانينسويلا" الكتالونية، أن الهجوم الذي تسبب في مصرع نحو 15 شخصًا، جاء في وقت سيئ تمر به العلاقة بين السياسيين الإسبان والكتالونيين، وما تسبب في مزيد من التوتر في العلاقة بين الطرفين. وأضافت "نيويورك تايمز"، أن الحادث فضح الفجوات الموجودة بين إقليم كتالونيا والحكومات القومية الإسبانية، حيث أبدى كل من وزير الداخلية الإسباني خوان إجناسيو زويدو، ونظيره الكتالوني خواكيم فورن، تعارضهما في الآراء علنًا عما إذا تم تفكيك الخلية المنفذة للهجوم أم لا. كما أثار فورن الجدل مرة أخرى عندما ميز بين الضحايا الكتالونيين وغيرهم من الضحايا الإسبان، خلال لقاء مع إحدى القنوات المحلية. وأشارت الصحيفة، إلى أن تلك الخلافات السياسية، تسببت في وجود قصور في المجال الأمني، التي من الممكن أن يكون منفذو الهجوم قد استغلوها في تنفيذ الهجوم، حيث تمكنوا من تخطي الإجراءات الأمنية، والتي حمت إسبانيا من الهجمات الإرهابية منذ هجوم مدريد في 2004، الذي أسفر عن مقتل نحو 192 شخصًا. وكانت إسبانيا قد منحت إقليم كتالونيا السيطرة الكاملة على جهاز الشرطة منذ عشر سنوات، وكان جهاز الشرطة الكتالوني قد طلب المزيد من الدعم قبل أسبوع من وقوع الحادث. ومن جانبه أكد بويجديمونت، في لقاء تليفزيوني الأحد الماضي، أنه على كتالونيا أن تحظى بعلاقات مباشرة مع جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكي مباشرة، دون تمرير المعلومات عبر العاصمة مدريد. كما أشار فورن، إلى أن ضابطًا بلجيكيًا طلب بشكل ودي من أحد العاملين في الشرطة الكتالونية، معلومات عن الداعية عبد الباقي الساعاتي، والذي يعتقد أنه المحرض على هجمات برشلونة الأخيرة. وأضافت الصحيفة أن من المنتظر أن تمر العلاقة بين مدريد وكتالونيا باختبار جديد السبت المقبل، حيث دعا عدد من السياسيين لمسيرة في مدينة برشلونة للتنديد بالإرهاب، ليعلن حزب "ترشيح الوحدة الشعبية" المناهض للملكية، أنه سيقاطع المسيرة إذا شارك فيها الملك فيليب. ومن المتوقع أن تتسبب رد فعل الحزب تجاه الحادث الأخير ليس فقط في زيادة التوتر بين مدريدوبرشلونة، لكن من المرجح أن تولد خلافات في إقليم كتالونيا نفسه. واقترح عدد من الصحف المدريدية في صفحاتها التخلي عن فكرة الاستفتاء، حيث قالت صحيفة "إلبايس" الإسبانية "إن هجوم بهذه الدرجة يجب أن يكون بمثابة صرخة إيقاظ للقوى الكتالونية للعودة لأرض الواقع". ومن جانبه قال سلفادور جارسيا، رويز المدير التنفيذي "آرا" الكتالونية الداعمة للاستقلال، ردًا على "إلبايس" "إن السياسيين والإعلام الإسباني دائمًا ما يستغلون الإرهاب كأداة سياسية، والدليل على ذلك ما حدث في 2004". وأضاف جارسيا، أنه مع اقتراب موعد الاستفتاء "نرى الآن بداية نفس النوع من التلاعب، وأعتقد أن الأمر سيسوء". وكانت تفجيرات مدريد 2004، التي وقعت قبل أيام من الانتخابات التشريعية، تسببت في تغيير اتجاه السياسة الإسبانية، حيث عاقب المصوتين الحكومة المحافظة، والتي تسرعت في اتهام انفصاليي إقليم "الباسك" بارتكاب الهجوم الإرهابي الأكبر في تاريخ إسبانيا، بدلًا من اتهام الميليشيات الجهادية.