على باب الكنيسة وقف ينظر مليًا بعين مرتابة إلى وجهي الذي يلفه حجابي.. كنت قد زرت كنائس كثيرة خارج مصر وكم كنت أتمنى أن أزور كنيسة مصرية وبالتحديد كنيسة العذراء مريم على كورنيش النيل بالمعادي، وسأقص عليكم ما حدث بالتفصيل، جائتني في زيارة، خطيبة ابني البولندية، وكانت سعيدة للغاية في أول زيارة لها بمصر، كنا نحاول أن نقدم لها جولة مختصرة لأهم أماكن القاهرة، فزارت الأهرامات، والمتحف المصري، وشارع المعز وخان الخليلي، وكنت قد اقترحت عليها زيارة إحدى الكنائس المصرية القريبة من حينا في المعادي، وإن كانت على مذهب الكاثوليكية وليس الأرثوذكسية كأغلب حال المسيحيين في مصر. أثناء وجودها في مصر، شاهدت خبرًا في التلفزيون عن مقتل 25 مسيحيًا كانوا في طريقهم إلى كنيستهم في الصعيد على يد مجرمين إرهابين، كان بإمكاني إخفاء الخبر عن ضيفتنا كي لا تحزن أو تتأكد لديها فكرة تروجها وسائل الإعلام الغربية أحيانًا وهي أن المسيحيين مضطهدين في مصر، ولكني أخبرتها حتى أفسر لها ما حدث، فقلت لها بحزن حقيقي أني سمعت خبرًا أحزنني في التلفزيون، رأيت الدموع في عينيها وأنا أفسر لها أن هذه مجرد جرائم سياسية مخططة لتقويض نظام الحكم وأن مرتكبيها ليسوا إلا إرهابيين مأجورين لبث روح البغضاء والعداوة بين المسلمين والمسيحيين، وقلت لها أن معظم جيراني مسيحيين وأني على علاقة طيبة معهم. قالت تواسيني وتواسى نفسها لابد أن الله أعد لهم خططًا طيبة في السماء. انتهزت فرصة وجودها وقررت تنظيم زيارة إلى كنيسة العذراء مريم التي أسمع عنها وأتمنى زيارتها لأنها أحد الأماكن التي استقرت بها السيدة العذراء وطفلها السيد المسيح، فاتصلت بجارتي المسيحية وطلبت منها أن تصحبنا فى هذه الجولة على الأقل لتشرح لنا ما نراه، فرحبت على الفور. على باب الكنيسة دخلت جارتى وأنا و ضيفتى من ورائها، وقف حراس البوابة يتأملوننا جيدا، ولكنهم كانوا يعرفون جارتى جيدا فسمحوا لنا بالدخول وبعد عدة أمتار جائنى الحارس على استحياء وطلب بطاقتى وهو يعتذر، لكنى قدمتها له برحابة صدر وقلت له لا مانع من احترام قواعد الأمن. كان المكان جميلاً للغاية، تم أختياره فى أجمل نقطة على ضفاف نيل المعادى، استمتعنا بالنسيم العليل والتقطنا بعض الصور مع مشهد النهر الخالد، أخذتنا جارتي العزيزة فى جولة داخل مبنى الكنيسة حيث القاعة الرئيسية، بدأت فى شرح صور القديسيين المعلقة على الحوائط، والهيكل الصغير والكبير وهي أماكن مخصصة فقط لصلاة الشمامسة والرهاب. كنت أقوم بترجمة كل ما تقوله جارتى للإنجليزية، وكانت ضيفتى مسرورة بهذه الزيارة خاصة عندما دخلنا إلى القبو الذى كانت تعيش فيه السيدة العذراء مع طفلها حيث أقامت فى هذا المكان لبعض الوقت فى رحلتهما فى مصر هربا من إضطهاد حاكم فلسطين فى ذلك الوقت، وأشارت لنا جارتى إلى مكان قريب على شاطىء النيل وذكرت أنه المكان الذى وجد فيه أحد القساوسة قديما كتابا للإنجيل عائما وكان مفتوحا على صفحة معينة يحتفظون بها فى دولاب عرض خاص وكتب بجوارها ترجمة بالعربية لجملة معينة فيها :تقول ما معناه( بورك لشعب مصر، شعبى). عدنا أدرجانا وفى الطريق التقينا بزوج جارتى فرحب بنا وبضيفتى وسألنى مداعبا، أنتم فى رمضان الأن تصومون بالطيع، وماذا عن ضيفتكم النصرانية؟ فقلت له إنها صائمة مثلنا.. فتعجب لقولى فضحكت وأكدت له أنها أختارت أن تصوم لله مثلنا.. ولم أجبرها بالطبع، هزت الضيفة رأسها وضحكنا جميعا. بعد الإفطار إتجهت وأسرتى لصلاة المغرب جماعة فى المنزل، كانت ضيفتى ترقبنا، فسألتها إن كانت تود الصلاة معنا، فهزت رأسها وسألتنى إن كان يمكنها الصلاة بطريقتها، فقلت لها نعم.. وقفنا نصلى صلاة المسلمين وهى من ورائنا تصلى صلاة المسيحيين.