الفنان الراحل "توجو مزراحي" واحد من أهم المساهمين في صناعة السينما المصرية، حيث أحدث المخرج "المتمصر" اليهودي، ذو الأصل الإيطالي، طفرة في صناعة السينما المصرية التي خلدت له تاريخاً فنياُ حافلاً بالأعمال الفريدة المختلفة. ولد مزراحي في 2 يونيو عام 1901، ونشأ بمحافظة الإسكندرية بينما يُعد مسقط رأسه بإيطاليا، كان ينتمي لعائلة أرستقراطية يهودية، وكان والده يعمل مديرًا لشركة مستودعات جمركية، والتي أصبح "توجو" موظفًا بها وهو ابن ال17 عامًا، وانتقل بعد ذلك للعمل في المجال الرئيسي لأسرته بتجارة القطن، وهجر عمله عام 1920 إذ أرسلته عائلته إلى إيطاليا لاستكمال تعليمه هناك، وسافر بعد ذلك إلى العاصمة الفرنسية باريس وخاض الحياة الفنية من خلال زياراته المختلفة لشتى الاستديوهات هناك. شارك "مزراحي" في أدوار صغيرة بعدد من الأفلام الفرنسية، وأثناء رحلته في باريس تعرف على تطورات فنون السينما، وقضى هناك 8 سنوات تطلع من خلالهم على العديد من الأعمال السينمائية في "استديوهات" السينما بالعاصمة الفرنسية باريس، الأمر الذي جعله ملمًا بتفاصيل العمل السينمائي. عاد "مزراحي" إلى الإسكندرية عام 1928 وهو مولع بالحماس لتحقيق هدفه وحلمه في الإنتاج والإخراج والكتابة السينمائية، وكان "مزراحي" يصور الحوادث والأخبار الهامة بمكان نشأته في مصر، ويرسلها لدور العرض السينمائية والمقاهي الثقافية بالخارج، ولتحقيق حلمه اضطر إلى أخذ قرض من أسرته لشراء مبنى "سينما باكوس"، سينما "ليلى" حالياً، وأقام بداخلها استديو خاص به اسماه "توجو" وجهّزه بالديكورات والإضاءة، وساعده المصور عبد الحليم نصر وشقيقه محمود. أنتج وأخرج وكتب ومثل أولى أفلامه الصامتة بعنوان "كوكايين" أو "الهاوية" عام 1930، والذي عُرض بدور العرض السينمائية بالإسكندرية، واضطر إلى تغيير اسمه بآخر مستعار هو "أحمد المشرقي" لتجسيد شخصية البطل في الفيلم خوفاً من عائلته، وابتكر "مزراحي" من خلال الفيلم شخصية "شالوم" الكوميدية، وحقق الفيلم نجاحًا واسعًا حتى عُرض مرة أخرى ناطقًا عام 1934. توالت أعماله السينمائية بعد ذلك، وكان أبرزها فيلم "أولاد مصر"، الذي مثّل فيه مع الفنانة حنان رفعت وشقيقه الذي لجأ هو الآخر لاسم مستعار هو " عبد العزيز المشرقي"، و"المندوبان" عام 1934 مع فوزي الجزايرلي وإحسان الجزايرلي، والذي أحدث طفرة بصناعة السينما، بالإضافة إلى فيلم "شالوم" عام 1935، وأعقبه "الدكتور فرحات" و"الباشمقاول" و"الفرسان الثلاثة" وغيره. من أشهر أفلامه "العز بهدلة" الذي أنتجه وأخرجه وشارك في بطولته عام 1937، وجمع فيه أشهر الشخصيات التمثيلية وقتها، مثل فاطمة وماركيا وراشيل وبطل الفيلم الفنان محمد فوزي وحسن ومرقص وكوهين، وأعقبه في نفس العام فيلمي "شالوم الرياضي" و"شالوم الترجمان". من أهم محطات "مزراحي" الفنية تعاونه مع الفنان "علي الكسار"، الذي أحدث ضجة في صناعة السينما، وأنتج وأخرج له عدة أفلام أبرزهم: "الساعة 7" و"سلفني 3 جنيه" و"علي بابا والأربعين حرامي" و"ألف ليلة وليلة" وغيرهم. عام 1939 اكتشف "مزراحي" الموهبة الفجة للمطربة والممثلة ليلى مراد، بعد أن أنتج وأخرج لها فيلم "ليلة ممطرة"، وبالعام ذاته استأجر استديو "وهبي" بالجيزة، وظل يعمل به حتى آخر فيلم له، وسمي بعد ذلك باستديو "الجيزة"، وكان يُعد من أكبر الاستديوهات المصرية وقتها. قدّم المخرج الراحل نجاحات عديدة مع الفنانة ليلى مراد، إذ تتابعت أعمالهما الفنية بعد ذلك، من بينها فيلم "ليلى" و"ليلى في الظلام" و"كدب في كدب" وغيره. أحدث "مزراحي" نقلة في الصناعة السينمائية بعد إنتاجه وإخراجه فيلم "سلامة" عام 1945، الذي قامت ببطولته "كوكب الشرق" أم كلثوم ويحيى شاهين واستيفان روستي، وعُرض بسينما "استديو مصر". وكان فيلم "يد الله" أول وآخر عمل فني ديني أنتجه وعُرض عام 1946، وآخر أعماله السينمائية كان فيلم "اكسبريس الحب" الذي قام بإنتاجه، وكتبه وأخرجه حسين فوزي. في عام 1946 أنتج 4 أفلام ناطقة باللغة اليونانية نظرًا لتوافد السائحين اليونانيين إلى الإسكندرية في تلك الفترة، واختفى "مزراحي" بعد قيام الدولة الإسرائيلية عام 1949 وهاجر إلى إيطاليا ووجهت له اتهامات بالصهيونية والعمالة اليهودية، وتوفي توجو هناك في 5 يونيو عام 1986، مخلداً تاريخًا فنيًا لا يقل عن 44 فيلمًا.