الإدارة المحلية لا تعطي تراخيص لبناء مقابر جديدة ويتم إزالة أي مقبرة مخالفة الأوقاف: الدفن لابد وأن يكون في باطن الأرض وأن يكون لكل شخص مقبرة مستقلة "إكرام الميت دفنه" عبارة دائما ما يرددها المصريون عند حدوث حالات وفاة للإسراع في دفن المتوفي، إلا أن الحال في محافظة الدقهلية مختلف، فالموتى في قرى الدقهلية لا يجدون أرضا تستر جثامينهم، نتيجة لعدم وجود توسعات للمقابر بالمدن والقرى منذ عشرات السنين، مما دفع الأهالي بالعديد من المدن والقرى بالمحافظة لبناء مقابر متعددة الطوابق لدفن جثامين مواتهم. وعلى الرغم من الجدل حول مشروعية الدفن في هذه المقابر ومخاطرها على الصحة العامة إلا أن الأهالي لا يجدون بديلا عنها، خاصة وأن إدارة الحكم المحلي تقوم بإزالة أي توسعات أهلية للمقابر بحجة التعدي على الأرض الزراعية. "التحرير" انتقلت إلى مدينتي طلخا وبلقاس وقرى البلاقسة وميت الكرماء وكفر العرب والتي تنتشر بها ظاهرة المقابر متعددة الطوابق لاستطلاع رأي الأهالي حول الظاهرة وأسبابها واستطلاع رأي الأطباء ورجال الدين وأجهزة الحكم المحلي حول الظاهرة. ما يستر الموتى في قرية البلاقسة التابعة لمركز بلقاس والتي تبعد مقابرها عن البلدة بحوالي 500 متر باتجاه طريق المنصورة جمصة السريع، لأول وهلة يطالعك مشهد تعدد طوابق المقابر والتي تحمل أسماء عدد من عائلات القرية منها أبوشادي والمغازي والجعيدي والمكونة من طابقين وتم دفن عدد من الجثامين بها. الحاج علي أبو شادي "عميد عائلة أبوشادي" أكد أن مقابر القرية على حالها منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي ولم يتم عمل أي توسعات في المساحة المخصصة لها منذ ذلك الحين وكانت مساحة الأرض كافية لاحتواء مقابر القرية إلا أنه مع مرور الزمن تضاعف أعداد سكان القرية ومع نهاية الثمنينيات وبداية التسعينيات شعرنا بالحاجة إلى عمل توسعات في مساحة المقابر إلا أننا قوبلنا برفض مسئولي مجلس مدينة بلقاس بحجة عدم وجود تراخيص بالبناء على الأرض الزراعية. وأضاف أبو شادي أن المسئولين بأجهزة الحكم المحلي والزراعة يتعاملون مع أي محاولة لعمل توسعات للمقابر على أنه تعدي بالبناء على الأرض الزراعية وعلى الفور يتم تجهيز حملة وإزالة أي مقابر يتم إنشائها ومع تزايد أعداد السكان بحثنا عن حل لستر مواتنا فلجئنا إلى بناء طوابق أخرى للمقابر. حسن عبدالعظيم علي "نجار" من أهالي القرية، أكد أن مساحة الأرض المقامة عليها المقابر كما هي منذ الخمسينات وأعداد سكان القرية تضاعفت أربع أو خمس مرات وعلى الرغم من ذلك ترفض أجهزة الحكم المحلي والزراعة عمل أي توسعات للمقابر منذ سنوات ولم يجد الأهالي حل سوى إنشاء أكثر من طابق للمقابر لستر مواتهم. وأضاف "هنعمل إيه ؟ يعني اللي يموت نروح نرميه علي جسر البحر؟! إحنا عارفين أن طريقة الدفن دي فيها مشكلة شرعية بس إحنا معندناش حل تاني". أما مدينة طلخا فقد انتشرت ظاهرة تعدد الطوابق فيها أيضًا، وكذلك قرية "ميت الكرماء" والتي تبعد عنها 2 كيلو متر حيث تنتشر الظاهرة بشكل أكبر، وأصبحت مقابر القرية مكونة من ثلاث وأربع طوابق الأول والثاني والثالث للكبار والطباق الرابع مخصص لدفن الأطفال ولها سلالم حديدية يستخدمها اللحاد للوصول لمدخل المقربة لدفن الموتى. عاشور رجب جمعة، من أهالي ميت الكرماء، أكد أن ظاهرة تعدد طوابق المقابر بالقرية بدأت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وانتشرت بعدها حتى أصبحت كل مقابر القرية متعددة الطوابق، مشيرا إلى أن الظاهرة بدأت في الانتشار بسبب تعنت مجلس المدينة والزراعة في إعطاء تراخيص جديدة لبناء مقابر والسماح بعمل توسعات جديدة لمقابر القرية. وطالب جمعة، المسئولين بمحافظة الدقهلية بوضع تصور لزيادة مساحات المقابر حسب نسبة الزيادة السكانية بواقع زيادة قيراط أو قيراطين أرض للمقابر للقرى الكبيرة كل 10 سنوات أو مساحة تحددها لجنه متخصصة حسب عدد سكان كل قرية. محمد إبراهيم، من أهالي القرية، قال إن ظاهرة تعدد طوابق المقابر في البداية كانت لحل مشكلة عدم وجود تراخيص لإنشاء مقابر جديدة إلا أن بعض العائلات بالقرية الآن أصبحت تستخدمها للدلالة على قوتها، فكلما زاد عدد طوابق المقابر دل ذلك على مكانة العائلة، ولهذا تتنافس العائلات في الارتفاع بعدد طوابق المقابر. مقابر آمنة الدكتور حاتم عطا مدير مستشفى جمصة المركزي أكد أن الدفن لابد وأن يتم في باطن الأرض منعا لانتشار الأمراض والأوبئة ولكن ولأن التربة في الدلتا والوادي لا تسمح بالدفن في باطن الأرض بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية نلجأ للدفن في مقابر مقامة على سطح الأرض فلا يوجد فارق هنا بين طابق واثنين أو ثلاثة. فيما قال الدكتور هشام مسعود مدير الطب الوقائي بمديرية الصحة بالدقهلية، إن الدفن في المقابر متعددة الطوابق يمكن أن يسبب مشكلة في حال وجود تسريب بالمقبرة، ويمكن اكتشاف هذا التسريب حال وجود انبعاثات للروائح الكريهة في محيط المقبرة أما في حالة إحكام الإغلاق وعدم وجود تسريب فلا خوف من انتشار أي أمراض ولا فارق هنا بين مقبرة مكونة من طابق واحد وأخرى مكونة من ثلاث طوابق. الضرورات تبيح المحظورات الشيخ طه زيادة مدير أوقاف الدقهلية أكد أن الأصل في الدفن في الإسلام ان يكون في باطن الأرض وهو واضح في الآية الكريمة "منها خلقنكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" مشيرا إلى ضرورة أن يدفن كل إنسان في قبر خاص به ولا يدفن مع أحد، ولكن وتطبيقا لمبدأ "الضرورات تبيح المحظورات" ونظرا لطبيعة التربة وارتفاع منسوب المياه وخوفا على تأذي الجثمان، أصبح الدفن يتم في مقابر مقامة على سطح الأرض ونظرا لضيق المكان وتزايد أعداد البشر أصبح القبر الواحد يدفن به أكثر من شخص. وحول الدفن في المقابر متعددة الطوابق شدد زيادة أن الضرورة تقدر بقدرها بمعنى أنه وفي ظل تكاثر الناس وعدم وجود مساحات كافية للمقابر وعدم وجود متسع لاحتواء هذه الأعداد يجوز التعلية والارتفاع في المقابر. مخطط جديد أكد مصدر بمديرية الإسكان بالدقهلية أن المديرية وأجهزة الحكم المحلي لا تسمح ببناء المقابر متعددة الطوابق وسيتم إزالة جميع المقابر المخالفة إلا المأهولة منها. وأضاف المصدر أن مشكلة ضيق المساحات المخصصة للمقابر موجودة بالفعل في عدد من مدن وقرى المحافظة لأنه لم يتم عمل أي توسعات للمقابر منذ 50 عاما، مضيفا أن المديرية تسعى منذ فترة لتوفير مساحات بديلة للمقابر في المخططات الاستراتيجية وتخصيص أراضي جديدة خارج الأحوزة العمرانية المعتمده فى القرى والمدن، مؤكدا أن المشكلة سيتم حلها خلال الأشهر القليلة القادمة.