فاجأنا الدكتور أحمد حسني رئيس جامعة الأزهر بالحكم على إسلام بحيري بالردة. الحقيقة فقد اعتذر الشيخ في اليوم الثاني، وقال أخطأت في الحكم على فرد بالردة، لأن هذا هو دور القضاء لا العلماء. وهنا يثور التساؤل الهام: هل هناك حد ردة في الإسلام؟ رأيي الشخصي أنه لا يوجد ما يسمى بحد الردة، وأن الأصل هو الحرية الإنسانية في اختيار المعتقد، وأنه من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولو تدبرنا الآية الكريمة من سورة النساء: «إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا». (137) سورة النساء. فلو كان هناك حد للردة لما كان هناك فرصة للإيمان الثاني ولا للكفر الثاني وازدياد الكفر، ولكان الكفر الأول كفيلا بقتله قبل أن يصل للإيمان الثاني، وأي دين هذا الذي يقبل منافقين يكتمون الكفر ويعلنون الإيمان ولا يقبل الصادقين بإعلان تغير معتقداتهم، وهو الذي نهى اليهود عن ذلك: «بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ». (22) سورة الزخرف. والقضية أخطر من فكرة الحكم بالردة والاعتذار، ولكن عن القناعة الحقيقية للأزهر بوجود حد الردة، وأن هذا الحد هو الكفر، في حوارات متعددة مع شيوخ الأزهر الأكثر اعتدالاً، يقول بعضهم إن الردة لا تعني الردة الدينية، ولكن تعني الردة السياسية بمعنى مناهضة الحاكم والخروج عليه بالسلاح، وآخر يقول ليست الردة الخروج فقط، ولكن الدعوة لهذا الخروج ودعوة الناس للإلحاد والهجوم على الدين كما يقولون، وقال ثالث، يستتاب، وهو مصطلح ديني يعني دعوته للتوبة، وكما يقول الفقه التقليدي بعد ثلاثة أيام يقتل، هذا المعتدل يرى أن تمتد الاستتابة مدة أطول ربما حتى آخر عمره. وكل هذا الهري يجب حسمه لا استتابة طويلة ولا فكرة الهجوم على الدين، لأن مجرد تعبيره عن رأيه وعرض سبب خروجه من الدين، أو تحفظه على بعض الآيات، فيكون مبرراً لقتله. المشكل الآخر أن ما يسمي حد الردة هناك إجماع بين الفقهاء الأربعة على حد القتل للمرتد، وهذا ما يجب الوقوف بصرامة وبوضوح وصراحة ضد هذه الأحكام، لأنها ضد الإنسانية وضد العقل وضد المنطق وضد القرآن ذاته، والمشكلة أن الفقه الكلاسيكي، يقول إن آحاد الناس لو نفذ الحكم على المرتد وقتله لا يعتبر قاتلا، ولكن يعتبر مفتئتا على السلطة، لأنه نفذ حكما كان يجب أن ينفذه الحاكم أو ولي الأمر، ولذلك فاعتذار رئيس جامعة الأزهر كان ملغمًا، وقال إنه ليس دور العلماء ولكنه دور القضاة، بمعنى أنه أخطأ بالحكم عليه بالردة، وكان عليه أن يرفع الأمر للقضاء حتى يحكموا هم بهذا الأمر. وهذا ما برأ أبو العلا عبد ربه المشارك في قتل فرج فودة، حيث طلب المحامون شهادة الشيخ محمد الغزالي وحكم بكفر فرج فودة، وسأله المحامي وما حكم قاتله، قال ليس بقاتل، ولكنه مفتئت على السلطة، وخرج لاحقا عبد ربه، ليؤكد عدم ندمه عن قتل فودة. يجب أن يحسم هذا الأمر، أنه لا حد للردة، وقاتل أي شخص هو قاتل. المشكلة أن البرلمان ولجنته الدينية وافقوا على مشروع قانون تجريم الفتوى، وأنه يختص بالفتوى العامة هيئة كبار العلماء والبحوث الإسلامية ومرصد الفتوى، ولا يفتى إلا برخصة، بمعنى أن هذا القانون سيمنع الدكتور سعد الهلالي من الفتوى والشيخ عبد الله نصر، ناهيك بإسلام بحيري أو عبده ماهر أو خالد منتصر. خاصة أنه لا يوجد تعريف محدد للفتوى، وما الفرق بين الفتوى والرأي، وستقابلنا مشكلات عند الحديث عن فوائد البنوك وأطفال الأنابيب ونقل الأعضاء وكثير من أمور السياسة والاجتماع، التي يرى رجال الدين أنهم مسؤولون عنها، وأنهم مخولون بالفتوى فيها، وليس لأحدهم رأي في مثل تلك الأمور، خاصة أن القانون لم يكتف بالغرامة، ولكنه قانون بالغرامة والسجن لمدة ستة أشهر، وترتفع الغرامة من خمسة آلاف جنيه في المرة الأولى لتصل إلى 20 ألف جنيه في المرة الثانية. لو تحدثنا عن الحجاب، أيًّا كان الرأي، فسعد الهلالي كان له رأي وعبد الله نصر كان له رأي أيًّا كانت الآراء، فما تعريف الفتوى المجرمة، وتلك الكلمات الفضفاضة، شديدة الخطورة، رغم أن المبررين للقانون يتحدثون عن فتاوى برهامي والحويني، ولكن هكذا قوانين تخرج بنوايا حسنة لبعضهم، ولكنها تطبق على آخرين كما خرج قانون التظاهر بسبب مظاهرات الإخوان، ولكنها طبقت على شباب الثورة، وأكاد أن أجزم أن هذا القانون لن يطبق على برهامي والحويني ولكنه سوف يطبق على بحيري والهلالي وعبد الله نصر وربما يوسف زيدان، لأنه قال إن المسجد الأقصى ليس في فلسطين، وله آراء من هذا القبيل كفيلة بإيداعه في السجن 60 سنة وليس ستة أشهر، ليس هو فقط ولكن هو وغيره من المفكرين الكبار سيكونون عرضة للسجن بهذا القانون. وأذكركم ببعض الفتاوى الشاذة التي أصدرها للعلم من يحق لهم الفتوى طبقًا لهذا القانون وهم هيئة كبار العلماء. من أفتى بفتوى إرضاع الكبير؟ من أفتى بالتبرك ببول النبي؟ من أفتى بفوائد شرب بول البعير؟ ومن أفتى بغمس الذبابة في اللبن قبل شربه؟ من أفتى بجواز النظر للمتبرجة، ولا يجوز النظر للمحجبة، لأن النظر يحتاج إلى رخصة، ومن تبرجت فقد أسقطت الرخصة، ولو مدينا الخط على استقامته سيكون غير آثم من نظر للأفلام الإباحية لأنهم أسقطوا الرخصة، ولا أعرف كيف تؤخذ الرخصة من المحجبة قبل النظر، يعني يقولها ممكن أبصلك يا جميل يا قمر يا محجَّب إنت؟ من أفتى بجواز الشتيمة لأن أبا بكر شتم، والقرآن قال واغلظ لهم في القول؟ من أفتى بأن وجود الحشيش في جيب المصلي لا يفسد الصلاة لأنه طاهر؟ من أفتى بأن أكل لحم الكلاب حلال؟ من أفتى بأنه يجب على الغائب أن يتصل بزوجته عند المجيء من السفر عشان لو عندها راجل تسربه؟! ومن أفتى بأن الملكة إليزابيث من الأشراف؟ من أفتى بجواز ترقيع غشاء البكارة؟ ولما واحد فينا يقول مافيش حاجة اسمها حكم ردة "ينطس" 6 شهور سجن وعشرين ألف جنيه غرامة.