"تشويق - تردد - تخوف".. هذا هو الشعور الذي يسيطر على الفرنسيين قبل خمسة أيام من الانتخابات الرئاسية، فالجميع لا يستطيع التنبوء بمن سيعبر إلى الدورة الثانية من المرشحين، "لا شيء محسومًا حتى هذه الساعة، حتى الصحف تتوقف عند نتائج استطلاعات الرأي التي تعكس التقارب بين المترشحين". و في هذا الشأن تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في فرنسا، فطابع التشويق يغلب على الحملة الانتخابية والفارق في نوايا التصويت يتقلص يوما بعد آخر بين المرشحين الأربعة، وهم مارين لوبان وإيمانويل ماكرون وفرانسوا فيون وجان لوك ميلنشون، و جميعهم يحاولون اغتنام فرصة الأيام القليلة المتبقية لإقناع الناخبين المترددين. حملات انتخابية استمر المرشحون للانتخابات الرئاسية الفرنسية في السعي لإقناع المترددين بأفكارهم، بالتصويت لصالحهم قبل أيام من الجولة الأولى من الانتخابات. والمنافسة على أشدها بين الوسطي إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، يتبعهما المحافظ فرنسوا فيون وممثل اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون، بفارق إجمالي بين الأربعة يتراوح بين ثلاث وست نقاط، ما يترك المجال مفتوحًا لأي تبدُّل في الوضع، ولا سيما مع الأخذ بهامش الخطأ. وما يزيد من الغموض - عدد الناخبين المترددين الذي بلغ مستوى قياسي هذه السنة، حيث أن ثلث الناخبين لم يحسموا خيارهم بعد، كما أن هناك ناخبين آخرين قد يبدلون خيارهم في اللحظة الأخيرة. و يقول محللون: إن "نظام الاقتراع يحض الناخبين على التصويت المفيد، لقطع الطريق على مرشح لا يرغبون بفوزه ومنح أصواتهم للمرشح الأقل سوءًا الذي يحظى بفرصة الفوز"، بحسب الباحث ميشال بالينسكي من المركز الوطني للبحث العلمي. انتقادات شرسة وجَّه "ماكرون" انتقادات إلى "فيون"، قبل أيام من موعد الدورة الأولى للانتخابات، في حين هاجم الرئيس فرانسوا أولاند مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون. وقام ماكرون بزيارة مركز إيواء يديره مركز إسعاف كاثوليكي الأحد، حيث صادف عيد الفصح، ما أتاح له تقديم نظرته عن الكاثوليكية التي تختلف عن نظرة فيون. وتابع "أن تكون كاثوليكيًا، فهذا يعني أن تدافع عن حقوق الأكثر فقرًا، وليس أن تجتهد لانتزاع حقوق من رجال ونساء" - في إشارة إلى التقارب القائم بين فيون ومنظمات كاثوليكية مناهضة لزواج المثليين. وردًا على رفض "ميلنشون" أن ينعت بأنه من اليسار المتطرف، قال "ماكرون": إنه "لا يعتقد أن ميلنشون من يسار الوسط". وخلال مهرجان انتخابي أقيم الأحد في تولوز (جنوب غرب فرنسا)، وعد ميلنشون فيون بأن يُقدِّم له بدلة انتخابية يدوية الصنع، بما أنه يحب الثياب الجميلة". من جهته، دعا أولاند إلى عدم جعل أوروبا "كبش محرقة"، وذلك رداً على دعوة العديد من المرشحين للرئاسة إلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي. وقال الرئيس الفرنسي: "اليوم بعد أن حمتنا أوروبا من الحرب والنزاعات فلنحافظ عليها"، مضيفًا "علينا أن نواصل الدفاع عن المؤسسات التي ضمنت السلام منذ سبعين عامًا (الأممالمتحدة وأوروبا الموحدة) التي علينا أن نستمر في الترويج لها، والثنائي الفرنسي الألماني الذي علينا تعزيزه والحفاظ عليه. و في سياق متصل، اعتبر أولاند أن "ميلنشون" يقع أحيانًا في التبسيط، خصوصًا في مواقفه من سوريا وروسيا والحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. المظاهرات تجوب فرنسا سار مئات المتظاهرين يوم الأحد الماضي، من أوبرفيلييه في ضواحي باريس إلى العاصمة الفرنسية (باريس) وسط هتافات "لا مكان للفاشيين في أحيائنا". واندلعت مواجهات قصيرة في باريس عندما قام نحو خمسين متظاهرًا، برشق الحجارة على عناصر الشرطة الذين ردوا بإطلاق قنابل مسيلة للدموع باتجاههم. وتأتي هذه التظاهرة احتجاجًا على تجمع انتخابي لمارين لوبان في باريس. وسائل الإعلام و على الرغم من عدم وضوح المشهد، إلا أنه تصدر جميع وسائل الإعلام، حيث قالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية: إن "عدم وضوح الرؤيا بسبب استطلاعات الرأي المتقاربة وبسبب الاستراتيجيات المتعددة للمرشحين، و هذا ينذر بعاصفة ستهب على فرنسا". و وصفت "الصحيفة" الحملة الانتخابية الفرنسية بالهستيرية التي كانت رهينة للمشاكل القضائية وللخصومات الشخصية وللمحسوبية، آملة بأن تستطيع الأحزاب في شهر مايو ويونيو المقبلين أن تشكل تحالفات متينة لحكم البلاد. أما صحيفة "لوباريزيان"، فقالت: إنه "لم يتبق إلا ستة أيام للحسم في خياراتنا، و أن الشيء الذي يبقى مجهولًا هو نتيجة الدورة الأولى، والثنائي الذي سيتنافس في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، مضيفة "نحن اليوم أمام معادلة لم تشهدها قط الجمهورية الخامسة، وقد نجد أنفسنا أمام خيار صعب في الدورة الثانية وهو مواجهة بين أقصى اليمين وأقصى اليسار". فيما علقت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، قائلة: إن "العالم ينظر بخشية وبترقب لما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الفرنسية، صحيح أن العالم يخشى فوز زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينية، لكن شعبوية أقصى اليسار خطيرة كذلك. و أضافت "الصحيفة" أن الفرنسيين قد يصوتون ضد لوبان في الدورة الثانية، لكن هزيمتها يجب ألا تتناقض مع إخفاقات نموذج الرفاه الاجتماعي الفرنسي الذي ألحق أضرارًا بالغة بفرنسا وبالاتحاد الأوروبي. حالة تأهب من المنتظر أن يتوجّه 47 مليون ناخب الأحد المقبل إلى صناديق الاقتراع للتصويت في 67 ألف مركز انتخابي موزعة في أنحاء البلاد. وفي إطار الاستعدادات لهذا الحدث، أعلن وزير الداخلية ماتياس فيكل، أنهم يعتزمون نشر أكثر من خمسين ألف عنصر من الشرطة والدرك في إطار التدابير الأمنية خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الأحد المقبل، والدور الثاني يوم 7 مايو المقبل. من جانبه طالب رئيس حزب "اتحاد الديمقراطيين والمستقلين" الفرنسي (UDI) جان كريستوف لاجارد في رسالة بعثها إلى ماتياس فيكل بالتحقيق في مسألة تسجيل بعض الناخبين مرتين بالقوائم. وكانت وسائل الإعلام الفرنسية أفادت قبل أيام قليلة من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، باحتمال وجود مشاكل في قوائم الناخبين، وذكرت أن أسماء نحو 5000 ألف ناخب سجلت مرتين. وأشار مواطنون إلى أنهم استلموا البطاقة الانتخابية مرتين على الرغم من أن القانون الفرنسي يعتبر ذلك جريمة قد تصل عقوبتها إلى السجن من 6 أشهر إلى عامين أو غرامة مالية تبلغ في بعض الأحيان 15 ألف يورو. وقال لاجارد في حديث لصحيفة باريزيان: "سأطالب أيضا بتحقيق برلماني لكي يسلط الضوء على هذا الموضوع، على الوزير القيام بعمله وحل المشكلة قبل حلول 23 أبريل.. يجب أن يباشر بالتحقيق فورا". ووصف "لاجارد" الوضع "بالانتهاك الخطير جدا" الذي يكشف عن وجود مخاطر لحدوث تزوير حقيقي في الانتخابات.