كلمتان قد تستدعيان فى الذاكرة أفلام الأبيض والأسود وأوقات الزمن الجميل، وقت كانت السرائر بيضاء، الحياة أكثر يسرا وجمالا، الشوارع أقل زحاما وأكثر حداثة وزينة بأشجارها و زهورها، فيلات الأحياء الراقية، وبيوت الأحياء القديمة كانت أكثر بهاءا وهدوءا ونظاما. هل كان ذلك الزمن هكذا فعلا أو ربما لأننا لم نعش فيه اعتقدنا ذلك؟ قديما كان الناس يتفقون عادة على إدراك اللون الأبيض على أنه أبيض، وإدراك الأسود على أنه أسود، أما الآن فقد تعذرت الرؤية وتضببت المرئيات، وصار الناس يختلفون بشكل لم يسبق له مثيل، أصبح الخير شرا والشرخيرا. ولك أن تتصور عزيزى القارىء أن فاجعة تفجير الكنائس الأخيرة والتى نراها جميعا إجراما وإرهابا يراها المتطرفون نصرا مبينا، وإعلاءا لتنظيماتهم الأرهابية، بعد أن غسلت العقول الفارغة وامتلأت بالضلالات والأكاذيب والمفاهيم الخاطئة. زمن عجيب صارت فيه الفتن ظاهرة غالبة عليه. كيف يتحول فرد من أفراد الأسرة فجأة إلى متطرف إرهابى؟ هل لاحظت أسرته أية ملامح لتطرفه؟ ما الذى جعله إرهابيا؟ لاشك أن التعليم فى مدارسنا بحاجة شديدة إلى تصحيح مساره، بتقديم مناهج حديثة فى كل المواد خاصة مادة الدين التى يجب أن تركز على الفهم الصحيح للدين الوسطى المعتدل. التعليم هو الذى يرتقى بالمجتمعات، فكل منا يربى أولاده بالشكل الذى يراه صحيحا ومع ذلك تجد اختلافات كثيرة بين الأفراد وبعضهم، منهم المحترم المثقف ومنهم المتخلف سىء الخلق ،التعليم هو الشىء الوحيد الذى يمكن أن يوحد ويجمع أبنائنا تحت مظلة ثقافة إجتماعية و أخلاقية ودينية معتدلة تتقبل الاختلاف مع الآخر دون أن تتهمه بالمجون أو الخروج عن الملة. ربما يكون متأخرا أن ندرك من ضلوا سبيلهم بالفعل لانضمامهم لتنظيمات إرهابية متطرفة ولكن لازالت الفرصة سانحة لإنقاذ الأجيال الجديدة التى يمكن أن تكون نواة مجتمع صالح أفراده، مرحبين بثقافة الإختلاف وتقبل الآخر . ربما آن لوسائل الإعلام أن تكرس جهدها لرفع كلمة سواء وتكون سراجا منيرا لمواطنيينا الذين هم فى غنى عن الإضلال وإختلاق الحروب بين ضيوف البرامج وإضاعة الوقت بالإهتمام بما لا يفيد وترك القضايا الهامة التى نحن بحاجة إليها لنشر الوعى والتنوير المطلوبين كى نرى الأبيض أبيضا والأسود أسودا.