كتب – محمد عودة وإسلام الشاذلى أدخل الكهرباء ومياه الشرب إلى قريته وأنشأ الوحدة الصحية.. وأقام مسجد الفتح بالزقازيق غرق قبره فى المياه الجوفية «شائعات».. وجسده لم يتحلل بسبب تحنيطه فى لندن قبل عودته إلى مصر فى الذكرى الأربعين لرحيله والتى تواكب يوم 30 مارس من كل عام، لا يزال منزل العندليب الراحل عبد الحليم حافظ الكائن بقرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية قائمًا على حالته التى تركها عليه العندليب، غير أنه آل إلى شخص آخر اشترى المنزل من شقيقته قبل وفاتها، فلم لم يكن العندليب يتوقع أن يتحول جزء من منزله ذات يوم إلى مخبز، إلا أن ذلك هو ما حدث بعد أن هجره أشقاؤه، واشتراه مالكه الجديد، فحول جزءً من الأرض الملحقة به إلى مخبز، بينما ظلت بنايات المنزل على ما هى عليه، غير أن التصدعات قد أصابتها من جراء عوامل التعرية ومرور الوقت. عبد الحليم على إسماعيل شبانة هو الاسم الحقيقى للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ، والذى ولد فى ذلك المنزل الريفى البسيط يوم 21 من شهر يونيو عام 1929، لكن القدر الذى تغنى به العندليب وعاتبه فى كثير من أغنياته كان له بالمرصاد وقت أن ماتت أمه عقب ولادته بأيام، كما توفى والده وهو لم يزل فى سن مبكرة ليتجرع الطفل الصغير مرارة اليتم فى مهده. «التحرير» التقت بنجل خالة العندليب الذى عاش معه فترة طفولته وشبابه، ورافقه فى رحلته حتى رحيله عن الدنيا، حيث بدأ شكرى أحمد داوود البالغ من العمر 80 عامًا، حديثه عن العندليب من لحظة الطفولة التى جمعتهما سويًا، لاسيما بعد رحيل أمه عقب ولادته بسبعة أيام، ولحقها أبوه وهو لم يزل فى سن مبكرة وقت أن كان عمره 4 أعوام، لتبدأ رحلتهما سويًا فكانا يلعبان ويلهوان كغيرهما من الأطفال فى القرية. لكن العندليب الأسمر كان عاشقًا للمياه وهو ما أكده شكرى الذى قال «عبد الحليم كان عامل زى الوز مبيطلعش من الميه»، ولعل ذلك كان سببًا وراء تعرضه مرتين للغرق لولا عناية الله له، حيث وقعت المرة الأولى حينما هبط فى بئر حفرها أهالى القرية وسط الترعة الجافة للحصول على المياه الجوفية والتغلب على جفاف الترعة الذى عادة ما يدوم لمدة 40 يومًا، إذ تعرض عبد الحليم للغرق لولا تدخل أحد أهالى القرية ويدعى عبد الحليم على عبد العال الذى استطاع إنقاذه من الغرق. وكانت الواقعة الثانية عندما صعد على حافة ترعة المسلمية بالزقازيق وحرص على الصعود أكثر فوق بنايات على ضفاف الترعة ومن ثم القفز فى الترعة، وهنا تعرض عبد الحليم للغرق لولا تدخل الأهالى الذين استطاعوا انتشاله من موت محقق، ولم تثن الحادثتان العندليب عن مواصلة السباحة واللهو فى المياه حتى أصيب بالبلهارسيا. وتابع شكرى قائلا إن العندليب أصيب بالبلهارسيا مبكرًا بسبب لهوه الدائم فى مياه الترعة بالقرية، وشغفه بالسباحة فيها، لكنه اكتشف ذلك وقت أن كان طالبًا فى معهد الموسيقى، وعندها تردد على طبيب يدعى ذكى سويدان وهنا بدأت رحلته مع العلاج من مرضه الأول، لتزداد الأمور تعقيدًا، حين وقع ضحية لإهمال طبى آخر ربما كان هو السبب الرئيسى وراء تدهور حالته، حينما تعرض للإغماء أثناء سيره بأحد الشوارع فى القاهرة، وتم نقله إلى المستشفى وهناك تم حقنه بسرنجة كانت تحمل العدوى الخاصة بالفيروس الكبدى، من هنا بدأت رحلته مع مرضه الثانى الذى كان قاسيًا عليه حتى تملك نصف الكبد، ورغم علم عبد الحليم بذلك لم يكن مرضه ليثنيه عن المضى قدمًا فى تحقيق حلمه فى مجال الغناء والفن، فكان حريصًا على حضور البروفات والتصوير والحفلات رغم ما يعانيه من مرض حاول التغلب عليه بقوة الإرادة. وعن بداياته الفنية قال شكرى إنه ذهب فى فصل الصيف إلى محافظة الإسكندرية بعد أن رسب فى اختبارات لجنة الأصوات 3 مرات، علَّه يجد هناك أحد الكازينوهات التى يستطيع فيها استغلال موهبته وعرضها على الجمهور، وبالفعل عمل فى كازينو لكن عمله لم يدم طويلا حينما طالبه صاحب الكازينو بتقليد الموسيقار محمد عبد الوهاب، وهو ما رفضه العندليب وأكد على أنه لن يغنى إلا بصوته خالصًا دون تقليد لأحد، ومن هنا دبَّ الخلاف بينه وبين صاحب الكازينو الذى طالبه برد 5 جنيهات كان قد أعطاه إياها، ولكن العندليب لم يقدر إلا على رد جنيهين فقط فقد قام بالفعل بصرف الثلاثة جنيهات الأخرى، ولم يكن يغادر الكازينو حتى فوجئ بمحامى يدعى مجدى العمروسى وقد طالبه بزيارته فى مكتبه. بالفعل توجه العندليب إلى مكتب المحامى وهناك بدأت مشواره الفنى حينما اصطحبه إلى إذاعة الإسكندرية التى كان يترأسها آنذاك حافظ عبد الوهاب، وهناك عرضوا عليه كلمات أغنية «صافينى مرة» التى تغنى بها العندليب، ليبدأ طريق المجد منذ ذلك الحين، ليعلن عن اسمه الجديد عبد الحليم حافظ نسبة إلى رئيس إذاعة الإسكندرية الذى تبنى موهبته الفنية. لم تثنه الشهرة عن الاهتمام بقريته وأهلها، حيث قدم لها خدمات جمة على حياته، بدأت بتوصيل الكهرباء للقرية قبل أن تصل حتى إلى مدينة الإبراهيمية، فعمد إلى توفير مولد كهرباء «ديزل» وتوصيل شبكات الكهرباء للقرية، وبدأ بالمساجد ثم قام بتوصيل الفائض لمنازل القرية، كما قام بتوصيل المياه من خلال إقامة صهاريج ومد خطوط ومواسير المياه فى مختلف مناطق القرية على نفقته الشخصية. ثم عمد إلى الاهتمام بقطاع الصحة فأنشأ الوحدة الصحية الخاصة بالقرية، كما لم تكن خدماته قاصرة على أهل قريته فقط، وإنما قام بشراء أرض مسجد الفتح الذى يعد أشهر مساجد مدينة الزقازيق، ويقع على طريق الكورنيش على بعد أمتار قليلة من مبنى الديوان العام لمحافظة الشرقية، وأقام المسجد على نفقته الشخصية، وأطلق عليه مسجد الفتح، غير أن الكثير لا يعرفون المسجد إلا باسم «مسجد عبد الحليم حافظ». كما قام بمخاطبة محافظ الشرقية آنذاك عبد السلام خفاجى لجمع التبرعات وإقامة جامعة، إلا أن المحافظ أكد له أنه لم يقدر على جمع الأموال اللازمة، فقام العندليب من فوره بتنظيم 3 حفلات بمدينة الزقازيق ووجه إيراداتها بالكامل لصالح بناء الجامعة، ثم قام بجمع بعض التبرعات وتحمل جزء من النفقات وبالفعل تم الشروع فى بناء الجامعة لأول مرة فى المحافظة وهى جامعة الزقازيق القائمة حتى الآن، بعد أن تمكن العندليب من جمع 2 مليون جنيه لصالح بنائها. وعن رحلته الأخيرة قال شكرى إنه سافر إلى لندن فى رحلة علاج وكان على خير حال حينما سافر، كما كان دائم الاتصال به من لندن يطمئنه على صحته ويبدى شعوره بالاشتياق إلى مصر، وفى ذات يوم طالب باستدعاء طبيبه الخاص الدكتور «تانر» لعلاجه، لكنه كان قد اعتزل العمل، فأصر العندليب على مجيئه للإشراف على علاجه، وبدأ علاجه على يد مساعد الطبيب الذى ربما وقع فى خطأ طبى أثناء حقنه فأصيب بنزيف فارق على إثره الحياة. مثلما بدأت حياته بعذاب انتهت بعذاب، وانحصرت حياته بين مرارة اليتم ومرارة الموت وما بينهما من مرض أودى بحياته ليدفن عقب عودته من سفره فى مقابر البساتين بالقاهرة، ولكن الشائعات ظلت تلاحقه عقب وفاته بأن قبره قد غرق فى برك من المياه الجوفية، وعلى إثر ذلك توجهت أسرته إلى القبر وقاموا بفتحه لكنهم لم يجدوا شيئًا مما أثير فى وسائل الإعلام، لافتًا إلى أن جسد عبد الحليم فى قبره لم يزل على هيئته التى مات عليها دون تحلل، ورجح السبب وراء ذلك إلى قيام الأطباء فى لندن بتحنيطه من أجل سفر الجثمان فى رحلة العودة إلى مصر. وطالب شكرى أخيرًا مسئولى الثقافة والآثار بضرورة الاهتمام بمنزل العندليب، وشراءه من مالكه الحالى وتحويله إلى مزار سياحى يقصده الناس من محبيه وعشاقه، ولعله يكون تكريمًا له ولمسيرته. من جهته أكد أحمد التهامى - أهالى قرية الحلوات ل «التحرير» أنهم طالبوا مرارًا وتكرارًا مسئولى الثقافة والآثار فضلا عن المحافظين السابقين بضرورة ترميم منزل العندليب وتحويله إلى مزار سياحى يقصده محبوه، وذلك بعد أن قامت شقيقته علية على شبانة ببيع المنزل مقابل مبلغ 36 ألف جنيه منذ ما يزيد على 15 عامًا لمالكه الحالى، كما طالبوا بضرورة تشييد تمثال له على مدخل القرية، لكن أحدًا لم يهتم ولم يتدخل لتلبية مطالبهم وظل العندليب فى طى النسيان .