قنصوة: جامعة الإسكندرية تقدم كل الدعم للفعاليات الثقافية والفنية لخدمة المجتمع    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    تخطت ال 17 ألف جنيه، مصروفات المدارس المصرية اليابانية بالعام الجديد    ارتفاع مفاجئ فى سعر جرام الذهب صباح اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    محافظ قنا يستأنف استقبال المواطنين بمكتبه لبحث شكاواهم    البورصة المصرية، المؤشرات تقفز لمستوى جديد في بداية جلسة اليوم    الجيش الأردني يعلن تكثيف طلعاته الجوية، اعرف السبب    12 مليون دولار مساعدات إنسانية من كوريا الجنوبية للسودان    "البسولهم الجزيري بيخافوا منه"، ميدو يسخر من الأهلي بعد الهزيمة أمام الزمالك    موعد مباراة بوروسيا دورتموند وأتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا والقناة الناقلة    بعد واقعة إمام عاشور، الأهلي يقرر تغليظ عقوبة "السوشيال ميديا"    إبراهيم نور الدين: أنا الحكم رقم 1 في مصر    مصرع شاب دهسا أسفل عجلات قطار في المنيا    مصرع 7 أشخاص وإصابة 13 آخرين فى انقلاب سيارة بطريق أسيوط الغربي    برنامج مباشر من مصر يستضيف حفيد عالم المصريات سليم حسن في ذكراه    تعرف على موعد عزاء الفنانة الراحلة شيرين سيف النصر    الرقابة الصحية: اعتماد 350 منشأة طبية في 18 محافظة    الرعاية الصحية: تكنولوجيا التحليل الجيني المستقبل الواعد للتشخيص والعلاج الشخصي خلال 2024    وزارة الصحة تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    الخارجية الأمريكية: العراق يمتلك إمكانيات هائلة لتجديد الطاقة بالشرق الأوسط    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    استعدادات طلاب صيدلة قناة السويس للمؤتمر الطلابي السابع    استعدوا لتغيير الساعة.. بدء التوقيت الصيفي في مصر خلال أيام    وزيرا البيئة والإسكان يبحثان مقترحات تشغيل مشروع تطوير موقع التجلي الأعظم    المراكز التكنولوجية تستقبل طلبات التصالح من المواطنين 5 مايو المقبل    أهم ألف مرة.. ماهر همام يعلق على مباراة الأهلي ومازيمبي    أستاذ في الاقتصاد الزراعي: «التموين» تستهدف توريد 3.5 مليون طن قمح هذا العام    التعليم تخاطب المديريات لتنفيذ المراجعات النهائية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية    الأرصاد: طقس حار نهارًا على القاهرة.. والعظمى 31    تحرير 31 محضرا بمخالفات لمخابز فى السنبلاوين    أمطار غزيرة تضرب دولة خليجية وبيان عاجل لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث    مصرع منجد بالبيلنا سوهاج فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة ولهو الأطفال    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمين ب"داعش قنا"    ننشر جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل والشهادات في بورسعيد    الصين تؤكد ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    "معلومات الوزراء": الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    فيلم شقو يتصدر الإيرادات بتحقيق 41 مليون جنيه في 6 أيام    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    كندا تدين الهجمات الإجرامية للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية    «التحالف الوطني» أرسل 4 آلاف طن مساعدات لغزة في المرحلة ال6    خادم الحرمين وولى العهد يعزيان سلطان عمان فى ضحايا السيول والأمطار    مستشار الرئيس: نهدف إلى حصول كل مواطن على الرعاية الصحية الكاملة    وزارة الصحة تكشف أسباب مقاومة المضادات الحيوية للبكتيريا.. التفاصيل    جدول امتحانات المرحلة الثانوية 2024 الترم الثاني بمحافظة الإسكندرية    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    موعد انتهاء خطة تخفيف أحمال الكهرباء.. متحدث الحكومة يوضح    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    ميدو: إبراهيم نور الدين كان سيجلس في منزله إذا طرد لاعب الأهلي    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اختناق الأحزاب السياسية
نشر في التحرير يوم 29 - 03 - 2017

أين الأحزاب السياسية؟ ما الذى تلعبه داخل البرلمان؟ هل لها وجود فى الشارع السياسى؟ وهل هناك ما يطلق عليه الشارع السياسى فى مصر؟ أين الأحزاب خارج مقارها فى العاصمة، وهل لها وجود فى جميع أنحاء الجمهورية؟ أين رجال الأحزاب وكوادرها وقادتها؟ هل هناك برامج وسياسات حزبية؟!
أسئلة مستمرة منذ عودة التعددية السياسية الحزبية المقيدة فى عهد أنور السادات؛ ثم فى أعقاب اغتياله، وبعض الانفتاح السياسى الجزئى والمحدود فى عهد حسنى مبارك، لا سيما ما قبل انتخابات 1984، وتحالفاتها، ظلت الأسئلة السابقة وغيرها تطرح فى الإعلام وفى بعض الصحف السيارة، وفى عديد من الدراسات والأطروحات الجامعية فى مجال العلوم السياسية. استمرارية الأسئلة تشير إلى أزمات هيكلية فى بنى النظام السياسى التسلطى، وفى هندسته السياسية والقانونية للفواعل الأساسية فى المجال العام السياسى، وفى هندسته القانونية والأمنية للأطر التى تعمل من خلالها الأحزاب السياسية وغيرها.
الأسئلة استمرت فى ظل الانتفاضات الجماهيرية والشعبية فى 25 يناير 2011، وفى المراحل الانتقالية الأولى والثانية، والثالثة المستمرة فى أعقاب 30 يونيو 2013، وهو دلالة على أننا إزاء أزمات مستمرة لحياة سياسية معتقلة فى أطر شكلية، وغياب العافية السياسية لقيادات وكوادر وقواعد هذه الأحزاب! والسؤال المركزى: هل هناك أحزاب سياسية حقيقية وفاعلة فى مصر؟ وإذا لم تكن هناك سوى هياكل ورقية، وصحف، وقيادات غير فاعلة، فلماذا كل هذا الصخب والصراع داخل بعض هذه الأحزاب، وعلى رأسها حزب المصريين الأحرار وغيره؟
الأحزاب السياسية تاريخيا هى جزء لا يتجزأ من مجال عام سياسى حر، وبنية سياسية مترعة بالحريات العامة، وعلى رأسها حرية الرأى والتعبير، وحرية التدين والاعتقاد، وحرية تكوين الأحزاب والجمعيات الأهلية، ونظام سياسى مؤسس على الديمقراطية، وتنظيم عمليات الوصول إلى السلطة عبر انتخابات عامة ومحلية حرة محاطة بالضمانات، وقواعد للعبة السياسية السلمية، تمثل التوافق والرضا العام بين كل الفاعلين السياسيين فى البلاد.
بعض الأحزاب السياسية نشأت كجزء من الحركة القومية المعادية للاستعمار كحزب الوفد، وبعضها تعبيرا مباشرا عن المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لإحدى الفئات الاجتماعية، أو تحالف بين مجموعة فئات أو شرائح اجتماعية -الوفد- فى قمة ووسط الهرم الاجتماعى، وبعضها الآخر ذات طابع شعبى يعبر عن العمال والفلاحين أو أحدهما، ومعهم بعض الفئات الوسطى.
ثمة أحزاب أخرى نشأت فى أعطاف الشمولية السياسية، أو الأنظمة التسلطية، وغالبا هى أحزاب كوربوراتية، تتشكل من تحالف فئات أو طبقات اجتماعية كما حدث فى أعقاب الاستقلال عن الاستعمار الغربى، وأحد أبرز أمثلتها الحزب الواحد، كالاتحاد القومى، والاتحاد الاشتراكى العربى فى التجربة الحزبية التسلطية فى مصر -المؤسس على تحالف قوى الشعب العامل- أو الحزب السلطوى الواحد الذى يحتكر السلطة والأحرى الحزب الوريث للحزب الواحد، مثل حزبى مصر العربى الاشتراكى، ثم الحزب الوطنى الديمقراطى المنحل بعد انتفاضة يناير 2011 الكبرى.
كلها أحزاب نشأت فى ظل التسلطية لتلعب أدوارا تعبوية وتجميعية، بهدف التعبئة السياسية والاجتماعية للجماهير الموالية للسلطة الحاكمة، أو تلك التى لا تهتم سوى بحياتها اليومية، وتريد تحقيق بعض مصالحها الصغيرة فى العمل أو الحياة اليومية.
لم تكن هناك تجارب سياسية حقيقية فى العمل السياسى اليومى، فى ظل موت السياسة أو السياسة فى المعتقل، أو سياسة اللا سياسة التى سادت والتى عدنا إليها فى ظل المرحلة الانتقالية الثالثة.
من ناحية ثانية: جاء قادة وكوادر هذه الأحزاب من قلب موت السياسة، وفى ظل قيود فرضت على المجال العام السياسى، ومن ثم افتقر غالبهم إلى الخبرات والمهارات السياسية التى تتراكم من خلال العمل اليومى، والانخراط فى حل مشكلات جماهير الحزب، والقضايا اليومية، وتنظيم القواعد الحزبية وتدريبها، وإسناد أعمال ومهام جماهيرية لها، فى إطار ديمقراطية حزبية حقيقية، تمارس من خلال الحوارات والانتخابات الداخلية، وفى أطر الهياكل الحزبية ومستوياتها التنظيمية المختلفة. من ثم الديمقراطية الحزبية هى المدرسة الأولى للتكوين السياسى مع مدرسة للكادر، تعلم وتدرب الكوادر والقواعد الحزبية على العمل الحزبى الجماهيرى والقيادى، وكيفية جذب الجماهير إلى برنامج الحزب. من ناحية ثالثة: القيادات الحزبية العليا والوسيطة لا بد أن تكون منتخبة من القاعدة إلى القمة، من الفروع القاعدية فى القرى والأحياء والمدن والمحافظات على مستوى الجمهورية، هذه القواعد المنتشرة بطول البلاد وعرضها إن كانت منتشرة، هى التى تختار. لا توجد قيادات أبدية ومواقع قيادية محتكرة بواسطة المؤسسين، يظلون فيها دون تغيير إلا بالموت كما حدث مع بعض الأحزاب القديمة ذات التاريخ الوطنى كحزب الوفد (الجديد)، وتغير بعض القادة بالوفاة كإبراهيم فرج باشا، وعبد الفتاح حسن باشا، وفؤاد سراج الدين باشا، وهكذا.
أحزاب التعددية الثانية والثالثة ظل غالب المؤسسين لها على قمة هذه الأحزاب، وقاموا بتعبئة مناصرين وأزلام لهم، يؤيدونهم ويدافعون عنهم، بل ويتعاركون فى المراحل الانتخابية الداخلية مع خصومهم، كما حدث فى حزب الوفد، ويحدث فى المصريين الأحرار من محاولة إزاحة لجنة الحكماء مؤخرا.
أسهم المجال العام السياسى المحاصر بالقيود فى اختناق أحزاب سياسية شكلية، وتفتقر إلى الجماهيرية، والعلاقة المباشرة والعضوية مع قواعد اجتماعية حقيقية على مستوى الجمهورية، تؤيد الحزب وبرنامجه وسياساته فى العمل الجماهيرى اليومى، وفى الانتخابات العامة، وتساند مرشحيه لأنه يعبر عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، ويقدم حلولا لمشكلاتهم وأزماتهم الحياتية.
بعض مشكلات التصدع التنظيمى وضعف فاعلية القيادات يعود إلى ضعف مهاراتهم وخبراتهم ورؤيتهم وحساسيتهم وخيالهم السياسى. من ناحية أخرى بعضهم يستدعى بعض أجهزة الدولة لمواجهة خصومهم السياسيين، والمتنافسين معهم على القيادة، وهو ما يحدث فى بعض الأحزاب. ثمة ضعف آخر يتمثل فى محاولة بعضهم السيطرة على الأحزاب السياسية التى يدعمها وينشئها بعض رجال الأعمال الكبار، خشية أن تشكل "خطرا" ليبراليا فى رؤيته وممارساته على الهندسة السياسية للبرلمان، وتركيبته الداعمة للنخبة السياسية الحاكمة، من حيث الرقابة أو المساءلة والضغط من أجل الشفافية فى عمل الحكومة وأجهزة الدولة، لا سيما فى ظل برلمان الأغلبية داخله لا تشكل حزبا حقيقيا، يؤيد الحكومة فى العمل البرلمانى لتمرير مشروعات القوانين والموازنة العامة المقدمة من الحكومة... إلخ!
غياب حزب سياسى جماهيرى حقيقى يعمل على الأرض ويساند الحكومة فى الشارع والبرلمان والأعلام، هو ما يضعف الحكومات وبرامجها وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية، ويجعلها نهبًا لتراكمات الغضب الاجتماعى من سياساتها وتحيزاتها وتفضيلاتها لبعض المصالح الاجتماعية والاقتصادية المتصارعة فى المجتمع، وبين فئاته وشرائحه المختلفة. إن تصور بعض النخبة الحاكمة أن العودة إلى سياسة اللا سياسة، أو موت السياسة، هى الإطار الملائم لكى تحقق سياساتها ومصالحها يبدو وكأنه تعبير عن سطوة ظاهرة اللا تراكم السياسى فى العقل والوعى والتجربة السلطوية المهيمنة على تشكيل النخبة، وهو ما يؤدى إلى إعادة إنتاج التجارب الفاشلة والأخطاء فى عديد المجالات المختلفة للعمل الوطنى فى مصر، وهى ما عانينا منه طيلة عديد العقود فى ظل التسلطية السياسية.
من ناحية أخرى، لا تزال الأحزاب السياسية وقادتها أسيرة العقل الورقى والثقافة السياسية التسلطية الإكراهية، فى حين أن الأجيال الجديدة الشابة ترفض هذه العقلية والمنطق فى العمل السياسى، فهى ابنة مركزية الكائن الرقمى وثقافته الرقمية فى اللغة والتعبير والإيجاز والشعار والسخرية والتهكم، واللغة العارية فى التعبير من خلال خطاب التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعى.
الأحزاب السياسية العاجزة فى مصر، هى أحزاب الإقصاءات والفجوات الجيلية، لأن غالب قادتها من كبار السن ويحملون عقولا أعدت لقضايا الماضى السياسى المصرى منذ عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، والعالم تغير فى قواعده وأفكاره وفاعليه ولغته. ثمة احتمالية مستقبلية تتمثل فى تشكل أحزاب رقمية تعتمد فى تعبئة المصالح والتعبير عنها، والعلاقة مع قواعدها على اللغة والواقع الرقمى أساسا، ثم تنتقل إلى الواقع الفعلى. أين أحزابنا من هذا التغير المحتمل؟
إحدى أبرز أدوات دونالد ترامب الرئيس الأمريكى هو خطاب التغريدات على تويتر فى الرد على الاتهامات، ونقد آراء خصومه السياسيين، وفى التعبير عن آرائه سريعا، وليس من خلال أدوات الاتصال التقليدية -أصبحت هكذا- فى الصحف والمجلات والقنوات التلفازية المحلية، أو الفضائية الكبرى، وهو ما يشير إلى التغير فى الأدوات السياسية، وأساليب تفكير رجال الدولة.
نحتاج إلى نظرة ورؤى إصلاحية وهندسة سياسية ديمقراطية جديدة مواكبة لها، لإعادة بناء تكوين السياسة والأحزاب مجددا فى مصر، ولا وقت للانتظار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.