أعلنت وزارة المالية عن طرح موازنتها للعام الجديد 17/ 18 في 31 مارس، لماذا تعشق الحكومة البطء والتباطؤ والتحرك على الحركرك؟ إنه آخر يوم في الفترة التي سمح فيها الدستور بطرح موازنة العام الجديد قبل بدئها بثلاثة أشهر، وتشعر من المادة التي تحدثت عن ذلك بالإسهاب، أنها أطول مادة في الدستور تقريبًا، زي ما تقول إن أرباب الدستور، كانوا يستشعرون القلق، ويبدو أن قلقهم كان في محله.. وإلى نص المادة: مادة (124) تشمل الموازنة العامة للدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء، ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها، ويتم التصويت عليه بابًا بابًا. ويجوز للمجلس أن يعدل النفقات الواردة فى مشروع الموازنة، عدا التي ترد تنفيذًا لالتزام محدد على الدولة. وإذا ترتب على التعديل زيادة فى إجمالى النفقات، وجب أن يتفق المجلس مع الحكومة على تدبير مصادر للإيرادات تحقق إعادة التوازن بينهما، وتصدر الموازنة بقانون يجوز أن يتضمن تعديلاً فى قانون قائم بالقدر اللازم لتحقيق هذا التوازن. وفى جميع الأحوال، لا يجوز أن يتضمن قانون الموازنة أى نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة. ويحدد القانون السنة المالية، وطريقة إعداد الموازنة العامة، وأحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها. وتجب موافقة المجلس على نقل أى مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة، وعلى كل مصروف غير وارد بها، أو زائد على تقديراتها، وتصدر الموافقة بقانون. أكدت المادة عدم تحميل المواطنين أعباء جديدة، ولكن المواطنين من الأصل قد تحملوا من جراء التعويم ومن جراء القيمة المضافة ورفع أسعار المحروقات بالقدر الكافي، ولكن الموازنة القادمة هامة، وأرقامها دالة على ما تنتويه الدولة في شهر يوليو القادم، وما شروط الصندوق التي التزمت بها الدولة كي تأتي الدفعة الثانية من قرض الصندوق. طبقًا لتصريحات وزير المالية فإن دعم البنزين في الموازنة الفائتة كان 30 مليارا، ولكنه ارتفع إلى 90 مليارا بسبب فرق العملة والتعويم، وبناء على دعم الطاقة في الموازنة القادمة سيتضح إذا كان البنزين في اتجاهه للزيادة في يوليو القادم أم لا، وزير الكهرباء لا يخفي نواياه فهو يصرح بوضوح أنه قبل عامين سيكون قد حرر السعر تمامًا، وبالتأكيد فهناك رغبة لتكون الجرعة الأكبر هذا العام، حتى لا تكون الزيادات متوافقة مع انتخابات الرئاسة القادمة، ولذلك فنحن ننتظر صيفًا حارًّا وربما شديد السخونة، فالتوترات تتزايد هنا وهناك، من كفر الشيخ للمحلة ومن سوهاج إلى الشرقية. أيضًا أوضاع الرواتب والأجور في الموازنة الجديدة، ستكون حاسمة في قضية الرواتب وزيادتها، لأن الإشاعات كثيرة على السوشيال ميديا، عن زيادة رواتب المعلمين أو الموظفين بشكل عام، ليواجهوا موجة الغلاء غير المسبوقة على جميع المستويات. معدلات القلق من المستقبل تزداد بقوة وهي تضغط على الشعب، وعلى قبوله للنظام السياسي. ولأننا منينا بحكومات غير سياسية، فتصريحاتهم تثير حنق الشعب أكثر، ومنينا ببرلمان، لا يعبر إلا عن مصالحه المحدودة، وغير منتبه إلى ما يحدث في قاع المجتمع المصري من غليان. الأولويات غائبة تمامًا عن إدراك النظام، ولا يوجد الحس السياسي الذي يجعله يتراجع في اللحظة المناسبة، كان للسادات هذا الحس، وكان لرجال مبارك القريبين هذا الحس، وأنقذوه من توترات كثيرة كادت تطيح بالنظام السياسي، ولكن الحس السياسي الآن مفتقد، الذي يجعل النظام لديه من المرونة والذكاء، والذي يجعله يتراجع في اللحظة المناسبة، ويعيد حساباته، ولكن يبدو أنهم ماضون في طريقهم، ويظنون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وأن على الشعب أن يصبر حتى تتساقط ثمار التنمية على رأسه، المشكلة أن هذا الشعب سمع هذا الكلام كثيرًا في زمن النظام السابق، ولم يهنأ بثمار التنمية، ولكن ثمار الفساد هي من قصمت ظهره. وما يحدث الآن فاق كل تصور، وأكثر شيء هي خيبة الأمل، بعد أن ظنوا أن ثمار الثورة آتية، ففوجئوا بأوضاع أكثر من بائسة، وغير مطمئنين أن القادم من الممكن أن يكون أكثر. أوضاع المنطقة كلها على صفيح ساخن، فلا مهرب ولا منقذ لنا، كنا في الماضي، يستطيع الشاب، أن يحل مشكلته الشخصية بالسفر سواء لليبيا أو للخليج، أو حتى لأوروبا، الآن كل الطرق تسد بابًا وراء باب، أصبحنا مسجلي خطر لدى أوروبا بعد أعمال الإرهاب التي يقوم بها المتطرفون، الأوضاع في الجوار الجغرافي كلها بائسة سواء في ليبيا أو السودان أو اليمن. ما العمل إذن؟ لا بديل عن المشاركة، مشاركة النظام لنخبته السياسية في الحلول الممكنة، هو السبيل الوحيد لتحمل الأمر معًا، إصرار النظام بالانفراد بالقرار، سيجعله يتحمل المسؤولية وحيدًا، والأمر جد خطير، فدون جسر بين النظام والشارع، ودون مشاركة في القرار، فالأمور ستزداد سوءًا، ولا اقتصاد جيد ولا تنمية دون سياسة جيدة، ولا سياسة جيدة دون مشاركة حقيقية. براميل بارود الغضب في كل مكان، عود ثقاب وحيد كفيل بأن يحيل الأمر إلى دمار كبير. نحن لسنا بلدًا صغيرًا، نحن بلد كبير يحوي تسعين مليون نفس، أكثر من ثلث الشعب تحت خط الفقر، لا نتحمل أي اهتزازات، نسأل الله السلامة والأمان، وليس علينا إلا النصيحة، وعلى الله قصد السبيل.