استغرب محدّثى كثيرًا من استغرابى الشديد من وجود سيارات على الطريق الزراعى لا تحمل أى لوحات معدنية، مؤكدًا أن هذه الظاهرة اشتدت وازدادت كثيرًا بعد ثورتى يناير ويونيو، ولقد تعوّد الناس على ذلك...!! سيارات خاصة كثيرة لا تحمل لوحات معدنية، معلنة للجميع مخالفتها القانون ومخرجة لسانها الطويل لكل مَن تسوّل له نفسه أن يقف أمام هذه الظاهرة، والحقيقة أن استغرابى اشتد ووصلت بى الحال إلى الاندهاش والصدمة عندما أكد لى محدّثى، الذى أثق فى كلامه كثيرًا، أن الكثير من قائدى هذه السيارات ما هم إلا أناس مسؤولون، وعندما سألته قال يعنى ضابط شرطة وفى بعض الأحيان ضابط جيش، فنطقت وقلت بسرعة يا نهار أسود، إنت عارف بتقول إيه، ضباط جيش وشرطة، فأكد لى حديثه مؤكدًا أنهم يستغلون نفوذ وظيفتهم فى قيادة السيارات دون لوحات معدنية، وفى الغالب لا يرخّصون هذه السيارات ولا يجددون رخص القيادة الشخصية لهم ولسياراتهم، وسألت: ما موقف الأكمنة على الطريق ورجال المرور؟ فأكد لى أنهم يتركونهم لأنهم بالطبع زملاء..!! ربما من الممكن أن تقول إن هذا الحديث سيكون مخالفًا للحقيقة وبخاصة مسألة ضباط الشرطة والجيش، ولكن لا يمكن بأى حال من الأحوال أن ينكر أحد أن هناك الكثير من السيارات الخاصة التى تسير فى شوارع مصر دون لوحات معدنية ووجودها بهذه الطريقة يثير الشك والريبة، ويجعل من حديث محدّثى مجالًا للصدق الكامل أو الجزئى، وهنا أريد أن أذكّر السادة المسؤولين عن جوابهم وهذه المخالفات بالسؤال عن كيفية الإهمال فى هذه الظاهرة مع وجود الإرهاب فى كل مكان فى مصر الآن ومع استخدام السيارات وتفخيخها للتفجير. وأريد أن أذكر مثالًا قريبًا وهو تلك السيارة التى انفجرت فى حادثة اغتيال وزير الداخلية، وكان يركبها ضابط جيش، وعندما حاول الحرس أن يثنيه عن الوقوف فى الشارع استغل صلته بالجيش واستطاع أن يقف فى مكانه «جاء ذلك فى برنامج تليفزيونى يرتبط مقدمه بالأمن الوطنى بصلات قوية»..!!! أما حكاية الموتوسيكلات غير المرخصة التى تشاهدها جهارًا نهارًا فى شوارعنا والتى يتم استعمالها فى حوادث الإرهاب الأخيرة، لدليل آخر على إهمال المسؤولين الأمنيين فى مصر وقصورهم عن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة..!! ثم لا بد هنا أن نتساءل: كيف يمكن لنا أن نقبل أن يتم استغلال النفوذ بهذه الصورة الفاضحة بعد ثورتين هزّتا العالم كله، مطالبتين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية؟ كيف يمكن لضابط مرور أن يرضى على ضميره الأخلاقى والمهنى أن يترك مخالفات لمجرد أن يكون مرتكبها زميلًا له، ثم بالطبع لا يمكن أن نقتصر قيادة السيارة الخاصة دون لوحات معدنية على أصحاب النفوذ فقط، بل ستجدها فى كثير من فئات الشعب، لذلك وجوب تنفيذ القانون واليقظة الكاملة، ونحن هنا بالطبع لا يمكن أن تكون رؤيتنا لهذه الظاهرة أكثر عمقًا ومنهجًا من هؤلاء مسؤولى الأمن الذين يمتلكون من العلم الأمنى والخبرة الكبيرة تجاه ما يمكن أن يحدث من كوارث أمنية من جرائها!!! ونود أن نشير إلى أن مخالفة القانون بتلك الصورة العلنية والتى أقل ما يمكن أن توصف بها هى الفضيحة، لا تقتصر على هذه الظاهرة فقط، بل تمتد إلى أشياء كثيرة فى بلدنا، نتمنى أن يصل القانون إليها ليعصف عمرها مثل المبانى المخالفة والقائمة على الأراضى الزراعية، إنها مثال فاضح على انتهاك القانون علانية ودون مواربة، ومن الغريب والطريف أننا نسمع الكثير من التصريحات النارية «طق حنك» من المسؤولين عن هذه الظاهرة وتأكيدهم أنهم سيقضون عليها، ومع ذلك الظاهرة مستمرة كل لحظة وكل دقيقة. مطلوب من الوزارة الجديدة بقيادة إبراهيم محلب، أن تحكم سيطرتها الأمنية على هذه الظاهرة وبسط يد القانون على كل شىء فى هذا البلد. على العموم أنا شخصيًّا مؤمن كاملًا بأن مصر سوف تخرج من كبوتها هذه وستعيش أيامًا عظيمة، لأننا أبناء بلد عظيم.