سيد مصطفى تشهد الكثير من المناطق في الدول العربية نزاعا مسلحا، نتج عنه معاناة بعض تلك مناطق من المجاعات، لتطوف أشباح الموت في أرجائها، وسط صمت من العالم، واقتصر الأمر على متابعة حالة الحرب، ومن المنتصر، دون النظر لفاتورة الدم والجوع التي يدفعها المواطن. مضايا والزبداني السوريتين
تحت أصوات القصف الذي لا يهدأ، الذي أحال ليالي الشتاء في سوريا إلى نهار، تجد الكثيرين من السوريين بلا مأوى وبلا طعام، يفترشون الأرض، وينتظرون الفتات، إذ ذكرت تقارير للأمم المتحدة أن بعض المناطق ضربتها المجاعة، خاصة منطقتي الزبداني ومضايا بريف دمشق. قال ياسر المسالمة، الناشط والباحث السوري، إن المجاعة ناتجة عن عمليات الحصار الطويلة في كثير من المناطق، مثل حي الوعر بحمص وبرزة والقابون ومخيم اليرموك والقدم وجوبر داخل مدينة دمشق والغوطة الشرقية ومضايا والزبداني وغيرها، في سياسة ممنهجة لتركيع الناس، أطلق عليها النظام اسم "الجوع أو الاستسلام". "هي سياسة الموت أو الاستسلام لا الجوع أو الاستسلام" هكذا وصف المسالمة، في تصريحات خاصة ل"التحرير"، ظروف الحصار الخانق الذي أدى للمجاعة، إذ يقوم النظام بمنع الطعام والشراب والدواء، ولأي شيء يمكن دخوله لتلك المنطقة المحاصرة، بالإضافة إلى قتل أي شخص يحاول الخروج من المنطقة عبر القناصة. وأشار إلى أن مجاعة مضايا حدثت نتيجة دخول حزب الله من لبنان عبر الحدود، والنظام من داخل سوريا، بعد قطع طرق الإمداد من القلمون شمالا ووادي بردى شرقا، ولكن صمود الجيش الحر والأهالي ما سمح للنظام باجتياح المنطقة فحاصرها بشدة، في وقت يحاول حزب الله أن يسيطر على المنطقة من حدود لبنان حتى دمشق.
وأوضح الباحث السوري أن المحاصرين لا يعبأون باستغاثات أحد، أو وفاة شخص جوعا، فالحصار كامل يشمل قطع الكهرباء والماء والهواتف، بالإضافة لمنع الطعام والأدوية أو إخراج الجرحى والمرضى، والرقابة اللصيقة على مدار الساعة عبر الطائرات دون طيار، أو القناصة، وتم تسجيل حالات لنساء أو أطفال تم قنصهم عند محاولتهم الهروب، حسبما قال المسالمة. "أشتهي أكل الفلافل" رسالة قصيرة من أحد المحاصرين لصديقه بمدينة سورية أخرى، إذ باتت "الفلافل" حلما لهؤلاء المحاصرين. وأردف المسالمة أن الأممالمتحدة متواطئة بشكل شبه كامل مع النظام، وفي كثير من الحالات الأممالمتحدة تسببت في إخراج الأهالي من مناطق محاصرة في مخالفة للقانون الدولي، كما أن المساعدات التي تقدمها المنظمة تذهب بنسبة كبيرة لمناطق النظام، ويتم بيعها بشكل علني في السوبر ماركت عبر تجار مرتبطين بالنظام، أما في المناطق المحاصرة فأغلب الوقت لا يصلها أي شيء من تلك المساعدات إلا بموافقة النظام. وتطرق المسالمة إلى الوضع بمخيم اليرموك -والذي اعتبره حالة خاصة- كون السيطرة عليه متقاسمة ما بين النصرة وداعش، حيث الوضع الإنساني صعب جدا، كون الحصار من النظام في الخارج ومن داعش في الداخل، مبينا أن حالات الحصار أتت أكلها في عمليات التهجير القسري، إذ هجر الكثيرون من أهل مضايا إلى لبنان بحكم قربها، ولكن فيما بعد إلى دمشق أو خارج سوريا، وآخر حالة نزوح كانت إلى أدلب قبل بضع شهور. وقال فراس حاج يحيى، المحامي ومسئول حقوق الإنسان بالائتلاف السوري المعارض، إن الحصار مازال مفروضا على الكثير من المناطق السورية، ففي مضايا يوميا يموت شخصين بسبب الجوع، إلى جانب عشرات حالات الإغماء بسبب الجوع بين الأطفال. في وقت تحاط فيه المدينة بألغام زرعها عناصر مليشيا حزب الله لمنع خروج المدنيين. وأكد يحيى أن الأممالمتحدة مشتركة في لعبة التغيير الديمغرافي الحاصل، وهو -ما اعتبره- مخطط إيراني لتفريغ دمشق ومحيطها من السوريين السنة، واستيطان إيرانيين شيعة بدلًا منهم، فالأممالمتحدة أدخلت مساعدات إلى مضايا، مقابل تهجير أهلها ومغادرتهم للمدينة. دير الزور والرمادي لم يكن حال الشمال السوري والأماكن المتاخمة له من العراق، أفضل حالًا من مضايا والزبداني، فالسكان يتألمون بين مطرقة داعش وسندان حصار القوات المحاربة لها، فلم يعد من السهل على الناس الفرار من الموت، إذ تشير التقارير إلى مجاعة تجتاح كل من دير الزور والرمادي. الباحث الكردي، إبراهيم كابان، قال إن سكان مناطق شمال دير الزور التي تتبع داعش يعانون ظروفًا سيئة بالنسبة لتأمين الحد الأدنى من المستلزمات المعيشية، إلى جانب القوانين الصارمة التي يستخدمها داعش، مشيرًا إلى أن المجاعة بطبيعتها موجودة بتلك الأماكن بحكم الحصار المفروض عليها. تقع دير الزور على نهر الفرات وتكثر في تلك المناطق الزراعة، حيث يعتمد الأهالي -منذ احتلال داعش- على الزراعة التي يُؤمنون بها قوت يومهم. "تتفشى الأمراض بين الأطفال حتى أصبحت طبيعية لكثرتها". بتلك الكلمات حاول، كابان، إيصال صورة المأساه بدير الزور، في تصريحات خاصة ل"التحرير"، وذلك بسبب الأدوية الناقصة في مناطق سيطرة داعش، وأيضًا تخصيص الأدوية والمعالجة لعناصر التنظيم وعائلاتهم على حساب المدنيين، وعندما يتم تحرير منطقة على يد القوات السورية الديمقراطية يهرع الناس إلى المطالبة بالحاجات الغذائية، وهو ما يؤكد المجاعة التي تعرضوا لها. لم تتعرض دير الزور للحصار فقط، بل الحرب أيضًا، إذ تشهد معارك عنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية وداعش، بعد أن تقدمت قوات الديمقراطية نحو دير الزور، وحررت عشرات البلدات والقرى هناك، والذين يتم تحريرهم من المدنيين يتم استبعادهم إلى المخيمات أو القرى الخلفية، التي انتهت قوات سوريا الديمقراطية وخبراء التحالف من فك الألغام التي زرعها داعش بها. حسبما قال كابان. وحذر كابان من كارثة إنسانية أخرى يمكن أن تنفجر في المخيمات بالحسكة والهول، حيث عشرات الآلاف النازحين من العراق ومثلهم يتدفقون يوميا من قرى دير الزور الشمالية، وضعف الإمكانات الذاتية التي قد تنفد إن لم تتحرك الجمعيات والمنظمات الدولية والأممية لإنقاذ الموقف، موضحًا أن جميع الإمكانات التي يتم تقديمها للنازحين ذاتية من قبل الإدارة، وهو ما يتطلب تحريرًا سريعًا لهذه المناطق وتدخل المنظمات الدولية. تعز.. المجاعة تطرق أبوابها لا يمر يوم على اليمن إلا وتتصدر أخبار تعز أحداثها، ولكن العالم يركز على الأخبار السياسية والعسكرية بالمدينة، والقتال الدائر فيها، متناسيًا الوضع الإنساني الكارثي والذي يصفه البعض بأنه وصل إلى حد المجاعة. قال محمد عبد السلام طاهر، عضو هيئة تحرير الجنوب اليمنية، إن أزمة تعز تنحصر بين الحصار الحوثي، ونهب خيرات المحافظة من قبل حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان، ولذلك أي دعم من التحالف يسرقه الإصلاحيان حمود المخلافي وغزوان المخلافي، ولا يوجد جهاد حقيقي غير من السلفيين الذين يريدون تحرير لأرض، والمواطن البسيط هو الضحية. وأكد طاهر في تصريحات خاصة ل"التحرير" أن الأغذية نادرة الوجود وبأسعار غالية، ولم يعد بمقدور كل السكان شرائها، إذ أن 40% من سكان المحافظة تحت خط الفقر. وأكد محمود طاهر، الكاتب اليمني، أن الوضع الاقتصادي في تعز سيئ، ولكنه لم يصل إلى مستوى المجاعة، متوقعا وصوله إذا استمر التحالف بفرض الحصار على مينا المخاء والحديدة، وبالإضافة إلى وجود نقص شديد في الأدوية، وتفشي مرض الكوليرا وحمى الضنك في المدينة، والإعلام لا يسلط على حياة الناس بقدر اهتمامه بأهمية السيطرة عليها.
وأضاف الطاهر، في تصريحات خاصة ل"التحرير"، أن دور الأممالمتحدة في اليمن شرفي، لأنها تعمل وفقًا لمصالحها الشخصية، وهي الحفاظ على التموين القادم من المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وبالتالي فإن مواقفها إعلاميا تدعو إلى المصالحة والحلول السياسية، وعمليًا تدعم لوجهة النظر السعودية في إطالة الحرب في اليمن، مشيرًا إلى أن الوفايات بالمدينة ناتجة عن الاقتتال، ولم تسجل إلا القليل حالات الوفاء بسبب الأمراض المنتشرة في محافظة. جنوب السودان.. مجاعة تعلوها الدماء تفاقمت الأوضاع بجنوب السودان بعد انفصاله عن الشمال بست سنوات، حيث تدهورت أوضاعه من الحرب الأهلية إلى المجاعة التي ضربت مدنه وقراه. وقال الطيب جادة، الناشط في مجال حقوق الإنسان بالسودان، أن الأوضاع في جنوب السودان سيئة للغاية، والوضع الإنساني في ظل الصراع القائم بين سلفاكير ومشار -الذي يتلقى دعم من حكومة البشير- متدهور جدًا، لدرجة تحول الوضع إلى مجاعة حتمية بسبب هذا الصراع، إلى جانب ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع الدولار إلى 140 جنيه، الأمر الذي اضطر كثير من الجنوبيين إلى النزوح إلى شمال السودان الذي يسيئ التعامل معهم. وأكد جادة، في تصريحات خاصة ل"التحرير"، أن حكومة عمر البشير هي التي أوصلت الدولة الوليدة إلى المجاعة، بسبب إغلاق الحدود ومنع دخول المواد الغذائية إلى الجنوب.