رحلة الإنسان في هذا العالم هي رحلة البحث عن الحقيقة، تبدأ بالأسئلة ولا تنتهي بإجابات كاملة، دائما ما تكون الإجابات مفتاحا لعدد من أسئلة جديدة، المفكرون والباحثون، يستمتعون بهذه المعاناة كما يتمتع بعض المواطنين بمشاهدة أفلام الرعب، ولكنهم الأقلية ولكن الأكثرية في هذا العالم لا تغريهم المتاهة وهذه الرحلة في طريق البحث عن الحقيقة، ولكنهم يركنون إلى اليقين ويرون أنه يريحهم، رغم أن اليقين هو أهم سبب للحروب في هذا العالم، فسبب الحرب أن كل طرف يرى في نفسه امتلاك الحقيقة المطلقة، وامتلاك الحق المطلق، وطريق اليقين لا ينتهي بحرب بين دينيين مثل المسلمين والمسيحيين، ولكن لأنه طريق اليقين، ينتقل من حرب بين ديانتين إلى حرب بين طائفتين داخل نفس الديانة، سواء بين المسلمين والشيعة في الإسلام أو بين النساطرة وغيرهم من المسيحيين أو بين البروتستانت والكاثوليك، ولا تقف هذ الحرب عند حد، بل تمتد داخل الطائفة الواحدة، ويدَّعي كل فريق أنه الفرقة الناجية، تحت دعاوى البضع وسبعون شعبة التي ستفترق عليها أمة الإسلام، كما يقول الحديث المنسوب للنبوة، كلها في النار إلا واحدة، فتحارب الجماعات بعضها وبعض كما يحدث في سوريا الآن، رغم أنهم ينتمون إلى أهل السنة، وإذا انتهت الحرب، هل يقفون؟ لم يقفوا في أفغانستان، بل رفقاء الحرب ضد الروس تحولوا إلى فرقاء بعد الحرب، وهذه هي طبيعة اليقين، حتى داخل الجماعة الواحدة، فإذا خرج أحدهم أو مجموعة من داخلهم يتم توجيه التهم من عينة راوغهم الشيطان، واستمعوا إلى وسوسة إبليس، وأغراهم هواهم، وانحرفوا عن طريق الحق إلى طريق الضلال، وبعيدا عن المفاهيم الأصولية ستجد المفاهيم الفاشستية عن تميز عرق على عرق ولون على لون، وهذا فجَّر حروبا عالمية أهلكت الملايين، وثورات للزنوج في دول وإمبراطوريات أرهقتها، حتى نضجت مجتمعات، لم تنضج بالساهل، ولكنها نضجت بالتجربة والكثير من الدماء، ولكن هل يحق لنا أن نوغل في الدماء كما وغلوا حتى نفيق إلى رشدنا ونجلس للتفاوض، والقضية ليست التفاوض، بغير التخفف من الغرور وامتلاك اليقين وامتلاك الحقيقة المطلقة، وأن يقينك مهما كان إيمانك به، فهو ليس يقين الآخرين، وما دمنا نتحدث عن الغيب وعن الميتافيزيقا، فعلينا أن نتخفف قليلاً من اليقين أو على الأقل أن نحترم يقين الآخرين وإيمانهم، ونبحث عن المشتركات الإنسانية. اليقين الإيجابي واليقين السلبي اليقين الإيجابي هو الإيمان بالله، وأن الخير والتسامح مع الآخرين وأن تحب لهم ما تحب لنفسك أحب إلى الله من الدماء والعنف وأن الأخلاق الكلية من العمل على سعادة الآخرين والإيثار والعدل والحرية هي قيم كلية، يجب أن نجتهد في الاقتراب منها، وأن الله خلق العقل ليعمل وكلما اتسعت مساحة الشك كلما أعطى مساحة أكبر من الحرية ومساحة أكبر من العمل لهذا العقل الإنساني وهو الميزة الأهم في الإنسان، وأنه كلما زادت مساحة اليقين وتضاءلت مساحة الشك، ارتكن هذا العقل إلى الكسل والتكلس، وزادت مساحة العنف لأنه كلما ارتكن العقل إلى الكسل، نشطت العضلات القوة لفرض إرادتها ويقينها. واليقين السلبي هو اليقين بأن الطريق إلى الله هو طريق واحد بمعنى يقين واحد، ولكنه ربما يكون طريقا واحدا، إذا كان المقصود طريق الخير والعدل والمساواة والإعمار في الأرض ويقينا متعددا. يقول الإمام أبو حامد الغزالى فى خاتمة كتابه: "ميزان العمل" صفحة 409، إن "الشكوك هى الموصلة إلى الحق فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقى فى العمى والضلالة". وفى كتابه: "المنقذ من الضلال" صفحة 60، ينص قائلا: "أن العلم اليقينى هو الذى يكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم". أما عناصر القياس لهذا العلم اليقينى فهى الأمان والثقة. حيث كل "علم لا ثقة به ولا أمان معه، وكل علم لا أمان معه فليس بعلم يقيني". وقالوا عن الإمام الرازي إمام الشكاكين. الإجماع الاجتماعي مقدم على الإجماع الفقهي ما التجديد إذن إن لم نحرم حلالا ونحلل حراما أو بتعبير أكثر وضوحا نجرم حلالا ونتيح حراما، من الإتاحة وليس من الإباحة، وهذا ما فعله عمر بن الخطاب بعد أن أوقف حد السرقة، ومنع الأموال عن المؤلفة قلوبهم. هل المطلوب أنسنة الإسلام أو أسلمة الإنسان الأولى هو العقلاني والفطري، فليس من المنطقي أن نواجه العالم الآن باستباحة زواج الطفلة والاستمتاع بها دون إيلاج حتى تطيق كما يقولون، وكذلك فكرة استعباد الأسرى وأخذهم كعبيد، وأخذ النساء سبايا يغتصبن ويمررن على الفريق الأقوى الذي انتصر في الحرب، يجب أن ترفض تلك الفتاوى والتوافق مع حقوق استحدثت، التراجع عنها جريمة كبرى في حق الدين، المشكلة أن من يدعون لذلك هم الأكثر تخلفا، من الناحية العلمية والعسكرية، ويستوردون أسلحتهم من الغرب، ولو دخلنا حربا مع الغرب، سنُسحق وسنتحول نحن إلى عبيد، ونساؤنا إلى سبابا، فبأي أمارة يتنطعون؟ ربما يكون هذا في مجال تجريم ما اعتبره الفقه حلالا، أما في مجال إتاحة المحرم فالقضية أصعب ولكني سأضرب مثلاً واحدا ألا وهو التبني، وقد طرحه الدكتور سعد الدين إبراهيم، فلدينا مشكلة كبيرة في قضية أولاد الشوارع، وهناك نساء كثر لا تنجبن ويرغبن بشدة في التبني بشكل رسمي، وينسب الولد لهن، لأن فكرة انعدام النسب، يخلق مشكلة نفسية كبيرة للطفل عندما يكبر، خاصة مع نظرة شديدة السوء للقطاء في مصر، فبدلا من كونهم أطفال شوارع يمتهنون الدعارة والمخدرات، والشذوذ والبلطجة وتخرج طائفة كقنبلة موقوتة تهدد المجتمع بالكامل، لماذا لا نقنن التبني بضوابط وشروط، فقد قال سعد الدين إبراهيم عن تلك أسرة مهاجرة صديقة كانت ترغب في التبني وعندما وجدت الأمر صعبا في مصر، تبنت طفلاً مسلما من الصين، وهم زوجان مصريان مهاجران، كانا سيوفران لهذا الطفل تعليما جيدا، بهذا المنع، فهذا الطفل الآن مشرد تحت كوبري يمارس ضده أسوأ حالات الاستغلال الجنسي والنفسي. إذا كان الشك يمثل القلق، فإن القلق أفضل من الطمأنينة الكاذبة، التي جعلت من الانتماء للتنظيمات المغلقة، قمة اليقين، وملاك اليقين عصبيين، يخشون الأسئلة الكبرى، يرهبون تزعزع اليقين يمارسون أسوأ حالات العدوان يعيشون أسوأ حالات القلق على يقين ربما يكون هشا.