هل تستطيع أن تعمل دون الاستماع لمن حولك أو التحدث إليهم؟ هل يمكنك أن تحلم وأنت تشعر بأنك غريب عن المجتمع الذي تعيش بداخله؟ "محمد عبد الرحيم نوح"، البالغ من العمر 37 عاماً، تحدى إعاقته السمعية، وقرر أن يعمل سائقاً ل"سيارة أجرة " ولكن ب"الإحساس والإشارات". سنوات من العمر الطويل، تخللتها سنوات من العناء، ساعات طويلة يعمل يومياً من أجل الإنفاق على أسرته، 30 عاماً في قيادته لسيارة أجرة، لا يسمع ولا يتحدث، يحاول أن ينخرط في المجتمع، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يكل ولم يمل، ولم يجلس ينتظر الشفقة والإحسان من أحد. ومحمد عبد الرحيم مقيم بمركز الوقف شمال محافظة قنا، ولد معاقاً بمرض "الصم والبكم"، وبعد أن بلغ عامه السابع بدأ يعمل مع سائقي السيارات الأجرة بمركز الوقف، طفولته لم يقضيها مع أسرته، وقرر أن يشق حياته منفردا عن المجتمع الذي لم يقدم له شيئا. "نوح" منذ أن بدأ في العمل مع سائقي السيارات الأجرة، وبعد أن بلغ من العمر ما يمكنه من قيادة سيارة بمفرده، قرر أن يقود سيارته الأجرة ويبدأ العمل قائدا لسيارة تقل الركاب من المواطنين من قرية المراشدة الى مركز الوقف شمال المحافظة. وظل يعمل في قيادة السيارة الأجرة التى يعرفها الأهالى والمواطنين في صعيد مصر ب"الكبود" حتى أكمل 30 عاما في قيادة السيارة وهو لا يسمع ولا يتحدث، ويفهم لغة المواطنين ب"الشفايف والإحساس"، ويحاول أن يوصل ما يريده من الحديث إلى المواطنين عن طريق الإشارات والأضواء. نوح الذي يعرفه الأهالى في مركز الوقف ب"الشاب الطيب" أحبه الجميع في مركز الوقف، يحاول الجميع مساعدته، علي الرغم من كونه يعيش في معزل عن المجتمع، لكن طريقه وحياته التي بدأها، لا يحلم بشئ بها إلا وأن يتوفاه الله وهو لم يحصل على جنيه بطريقةً غير مشروعة. "التحرير" كانت هناك حيث الشاب الثلاثيني الأصم الأبكم، الذي لم يمانع في التصوير، واستعان محرر "التحرير"، بابن عمه "م.أم" لترجمة إشاراته، وطرح الأسئلة عليه، والذي بدأ حديثه ب"الحمدلله رب العالمين على كل شئ"، حتي تخللت الابتسامة على وجه الشاب الأسمراني الخجول. وقال "نوح" إنه يعمل سائقا منذ قرابة 30 عاما، وذلك بعد أن خرج من منزله وهو في السابعة من عمره لبدأ رحلة المشقة، وذلك لكونه رفض الجلوس داخل منزله وهو مصاب بالإعاقة، وقرر أن يعمل ثم تزوج وأنجب 4 أطفال. ويضيف نوح أنه لا يواجه أي معاناة في أثناء قيادته لسيارته، وذلك بسبب أن الجميع في قريته من المواطنين والركاب، يعرفون بأنه لا يسمع ولا يتحدث، ويفهمون ما يريده، وذلك بسبب كونهم تعودوا على استقلال سيارته بشكل يومي. ويشير إلى أنه تحدى إعاقته ويحاول أن يقدم إشارات يفهمها من دون أن يسمعهم، حيث إن سيارته بداخلها، إضاءات للنزول من السيارة، حيث يقوم المواطنين بالضغط عليهم، فيهم من خلالها وانه يجب أن يتوقف، فيخرج المواطن ويعطيه ما يريد من أجرته، ولا يدقق أو يشترط أجرةً معينة قائلاً "اللى معاه يدفعه واللى مش معاه ميدفعش مش هكون أنا والدنيا على الناس". وذكر أنه يعيش حياته بشكل عادي ويفهم المواطنين بلغة الشفايف والإحساس وأنه يحمد ربه مراراً وتكراراً بالنعمة التى أكرمه بها ووصل إليها، حيث رزقه الله بسيارة تمكنه من الإنفاق على أسرته المكونه من 5 أفراد. وتابع نوح بقوله إن الله يرزقه ب"50 جنيهاً" يومياً، حيث تبلغ أجرته خمسون قرشاً، ورفض أن يقوم بزيادة أجرة سيارته عقب ارتفاع أسعار الوقود، وأن ذلك الرزق يتقبله بحمد الله وشكره على ما أعطاه الله، لافتا إلى أنه سوف يكمل حياته وعمله متمنيا من الله عز وجل أن يقبض روحه دون أن يتقبل جنيه على أسرته بطريقةً غير شرعية. الشاب أكد أنه لا يعاني من أي شيء، سوى من التعامل مع ضباط الشرطة، خاصةً ضباط المرور، حيث أنهم لا يفهمونه، ويطالبونه مراراً وتكراراً برخصة قيادته، التي رفضت إدارة مرور قنا باستخراجها له، لأنه مصاب بالصم وبالكم. وأضاف نوح، أنه كلما استوقفه ضابط شرطة، يحاول مراراً وتكراراً أن يذكر له أنه لا يتحدث ولا يسمع، لكنهم لا يأبهون لذلك، ويقومون بتحرير مخالفات مادية ضده، مطالباً المسؤولين في محافظة قنا بالموافقة على استخراج رخصة قيادة له، حيث أنهم يستخرجون رخصة قيادة لضعاف البصر، أما هو فقد ابتلاه الله بهذه العاهة ويحاول التغلب عليها والإنفاق على أسرته، حتى لا ينتظر الشفقة من أحد، بحسب قوله.