هل أصبح تمسك المرء بمبادئه وحرية رأيه الموضوعى و«القبض» عليهما فى هذه الأيام ينطبق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأتى على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر»؟ وقبل أن يعترض بعض حضراتكم على صياغة هذا السؤال ويتم اختطاف عنوانه إلى أرضية دينية تتناثر عليها الاتهامات والحكم على النيات والضمائر وشّق القلوب بشأن المقارنة المفترضة خطأ، التى التى لم تحدث بالقطع من جانبى، بين الدين وحرية إبداء الرأى فإننى أطلب من حضراتكم التحلى بالصبر والتسامح وتبيّن المعنى المقصود من الإشارة إلى هذا الحديث الشريف، حيث ستجدون أن السؤال المطروح بمعنى آخر وبعبارات أخرى مضمونة كما يلى: هل أصبح من الصعوبة بمكان التعبير عن الرأى القائم على الموضوعية والمتسق مع مبادئ المرء وقيمه وقناعاته الشخصية وهل ازدادت صعوبة التمسك بالحق فى التعبير عن ذلك بحريّه واحترام؟ وهل أصبح الاتفاق مع الرأى السائد حتى لو كنت مختلفا معه ومع منطقه ومنطلقاته هو السبيل الأسهل والأكثر يسرا الذى يعفيك من المشقة والجدل وينقذك من خانة التصنيفات والاتهامات التى تبدأ بالجهل ولا تنتهى بالعمالة والخيانة مما قد يجعل بالفعل التمسّك بوجهات النظر المخالفة للمسار العام وكأنه قبض على الجمر أو سير على الشوك أو الزجاج المكسور من جانب من يغامر بذلك؟ والسؤال المحيّر هنا هو لماذا نضع أنفسنا فى هذا الموقف الملتبس المؤدى إلى مأزق لا فكاك منه يرمى بنا إلى معسكرات متضادة بين المصريين وبعضهم؟ لماذا نسعى نحو تصنيف غيرنا من المخالفين لنا فى منطلقاتنا الفكرية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ثم تقسيمهم وفقا لهذا الخلاف لفئات مختلفة؟ ولماذا يسيطر علينا هاجس وضع آراء الآخرين فى قوالب «سابقة التجهيز» أو سترات حديدية لا تسمح بمرونة الحركة أو تتيح مساحة للاختلاف ثم نقوم بتقييمهم أو الحكم عليهم وفقا لذلك وتأسيسا على ذلك نفتح عليهم نار العداء ونهاجمهم بضراوة لمجرد اختلافهم الفكرى أو المبدئى مع مواقفنا الشخصية مما يصل أحيانا إلى اغتيالهم «معنويا» وتحطيم صورتهم لدى الرأى العام ويدخل كثير منا فى أغلب الأحيان تحت طائلة السب والقذف وبالتالى التجريم القانونى، لماذا بالله عليكم نفعل ذلك بأنفسنا وبأولادنا وبالقطع بالأجيال القادمة؟ هل نريد أن نورِّثهم مجتمعا لا يؤمن بحرية الرأى أم نرغب فى أن نتركهم فى ظل مناخ فكرى يعتقد أن الخلاف فى الرأى يفسد الوّد فى جميع القضايا المختلف عليها؟ هل نحاول أن نقيم مجتمعا قائما على ما اعتدنا أن ننتقده فى الآخرين ممن يعتقدون أن من ليس معهم 100٪ فهو بالقطع ضدهم بل ويجب تصنيفه فى قائمة أعدائهم؟ وإجابتى هى -كما آمل أنها تكون إجابتكم جميعا- بالقطع لا! وإذا كان الأمر كذلك فدعونا نعود بالفعل إلى ما نادت به الأهداف الثورية عبر السنوات الثلاث الماضية من حرية إبداء الرأى والحق فى التعبير عن المبادئ واحترام حقوق الإنسان وأن نطبق ذلك قولا وعملا ونلزم أنفسنا به قبل أن نلزم به الآخرين المخالفين لنا فهذه هى قواعد الدولة الديمقراطية التى مات البعض من أجل الوصول إليها، حالمين أن يتمتع جميع المصريين بثمارها على قدم المساواة لا أن ينتفع بحرياتها ومكاسبها الانتهازيون المحترفون من أصحاب نظرية النفاق اللزج لأى حاكم تولى قيادة مصرعبر العقود الطويلة الماضية ما دام مستقرا فى سّدة الحكم وذلك طمعا فى المكاسب والمناصب والحظوة بل إن بعضهم قد فتح هذه الأيام فتحا جديدا فى هذا المجال يتمثل فى نظرية «النفاق اللزج مقدما» أو بالتعبير الشعبى «قبل الهنا بسنة» ظنّا أنه بذلك يضمن مكانه فى الصفوف الأولى تحت دائرة الضوء المستقرة حول القائد والزعيم ولهؤلاء جميعا أقول لهم إن محاولاتهم اللزجة تقلل من قدرهم ولا تزيده فى نظر هذا الشعب الصابر ذو الذكاء الفطرى الذى يوقن أنّكم كما سعيتم لتصنيف الآخرين خدمة لأغراضكم الشخصية فإن التاريخ سيقوم بتصنيفكم بوصفكم مَن لا يستحق ذكرهم فى صفحاته عن الشعب المصرى الكريم وأن المكان الوحيد الذى ستتم الإشارة فيه إليكم هو موسوعة «جينيس» الشهيرة تحت فئة «أكثر الكائنات المنقرضة لزاجة» فى تاريخ الإنسانية وحسبنا الله ونعم الوكيل فيكم!