قرر حمدين صباحى الترشح، فأشعل معركة الانتخابات الرئاسية، وجعل لها معنًى ومذاقًا. قبل قرار حمدين كانت المنافسة «شبه محسومة» للمشير عبد الفتاح السيسى، الذى بات عليه أن يعلن وبسرعة قرارًا طال انتظاره، وكانت كل الأسماء التى تتردد (عنان- شفيق- موافى) تبدو كأنها من «فريق واحد» يلاعب نفسه، ويرتدى الزى ذاته، فى مباراة بلا طعم أو روح، حتى ولو دخلها آخرون من خارج «التقسيمة» من عينة أبو الفتوح أو خالد على أو غيرهما. قرار صباحى رغم أنه فاجأ كثيرين لم يكن مفاجئًا لى، لأننى أعرف أن هذا «الفتى» يستمد قراره من الجماهير، فهى وحدها كلمة السر التى تلهمه وتحركه وتقوده، وهو انتظر طويلًا حتى أعلن قراره، مساء أول أمس (السبت)، من وسط حشد غفير من جمهوره وأنصاره ومريديه. مشكلة حمدين الرئيسية هى تلك الشعبية الطاغية للسيسى، منافسه الأول وربما الأوحد، التى اكتسبها الرجل بجدارة بعد قراره وموقفه التاريخى فى (30 يونيو)، بالانحياز إلى الشعب فى مواجهة «الإخوان» ورئيسهم، والانتصار للدولة المصرية ضد «الجماعة» ومرشدها. هذا الانحياز وذاك الانتصار جعل من السيسى أسطورة يتغنى بها المصريون، وأيقونة ينسجون أحلام مستقبلهم معها. شعبية السيسى المذهلة داخل مصر وخارجها، خصوصًا بين شعوب عربية شقيقة، لم يصنعها فقط موقفه كقائد للجيش الذى انحاز إلى شعبه، ولم يسهم فيها بقدر كبير الإعلام الذى احتفى به بشكل غير مسبوق، لكن الطريف أن غباء جماعة «الإخوان» المعتاد والمعهود أسهم فى ترديد اسم «السيسى» على كل لسان وداخل كل بيت فى مصر، فعداؤهم الجنونى للرجل جعلهم يكتبون اسمه فى كل ركن وعلى كل جدار، حتى وهم ينعتونه بأقبح السباب وأقذع الشتائم. ومشكلة السيسى الكبرى هى استمرار تلك الحرب المسعورة عليه من «الإخوان» وأنصارهم وأذنابهم فى الداخل، وحلفائهم المتآمرين معهم فى الخارج، وهى حرب ستزداد سخونتها ولهيبها بمجرد إعلان الرجل قراره بالترشح، وكلما اقترب موعد الاستحقاق الرئاسى. هل يعنى ذلك أن ينحاز «الإخوان» إلى حمدين صباحى، ويدعمونه فى معركته ضد عبد الفتاح السيسى؟ هذا وهم كبير، ومحال دونه الموت بالنسبة إلى «الجماعة» وكوادرها وأنصارها. جماعة «الإخوان» اتخذت من صباحى عدوًا رئيسيًّا لها، من اللحظة الأولى لإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية الماضية، فهم اعتبروه «الرقم الصعب» فى الخريطة السياسية المعارضة لهم ولرئيسهم المزعوم والمعزول، وشنت عليه ميليشياتهم ولجانهم الإلكترونية الحملات القذرة للنيل منه وتشويهه لدى الجماهير، خصوصًا بعد مفاجأة الخمسة ملايين صوت التى حصدها حمدين فى الجولة الأولى من الانتخابات. وكان صباحى بالفعل هو الركيزة الشعبية الأساسية ل«جبهة الإنقاذ»، التى تشكلت لمواجهة حكم مرشد جماعة «الإخوان»، مثلما كان الدكتور محمد البرادعى والسيد عمرو موسى هما الواجهة السياسية لتلك الجبهة. هاجمت الميليشيات الإخوانية حمدين بضراوة، وقلبوا الشعار الجميل الذى رفعه أنصاره ومحبوه فى حملته الانتخابية الرئاسية السابقة «واحد مننا» إلى «واحد خمنّا»، واتهموه بأنه «عميل، ممول من الخارج، غاوى سلطة....» إلى آخر قاموس البذاءات الإخوانية. الحملات نفسها، وبالاتهامات ذاتها، شنها «الإخوان» على السيسى، فهو عندهم «خائن» و«قاتل» أيضًا، ولم يتركوا جدارًا فى شوارع مصر إلا ولوثوه بتلك العبارات الساقطة. ومثلما لا يمكن لعاقل أن يتصور أن ينسى «الإخوان» ما يتصورون أنه غدر من السيسى بهم وبطموح وجموح جماعتهم، يستحيل أيضًا للعاقل نفسه أن يتخيل دعم «الإخوان» لصباحى، فهم لن يستطيعوا إقناع كوادرهم وأنصارهم ب«عصر ليمونة» وتأييد الرجل الذى قالوا لهم عنه «واحد خمنّا». كلاهما، السيسى وحمدين، عدوان لدودان للجماعة وأنصارها، وأقصى ما يفعله أنصار الجماعة المكوث فى بيوتهم انتظارًا لنتيجة معركة بين المر والأشد مرارة بالنسبة إليهم. يخطئ من يظن أن المعركة الرئاسية سهلة، بالنسبة إلى المشير على الأقل، فالسيسى نقاط قوته كثيرة جدًّا، لكن نقطة ضعفه الأساسية هى الشباب، الذين لا يستسيغون ترشح الرجل، لأسباب عديدة، ربما أغلبها ليس للرجل ذنب فيها. فليس ذنبه -بالتأكيد- أنه كان قائدًا للجيش الذى استنجد به الشعب لينقذه من غول «الإخوان» وتغولهم، وليس ذنبه بالطبع هذا التخبط والتردى للحكومة الحالية فى مصر، والتى اتخذت جملة من القرارات الخاطئة والمخطئة فى حق الشعب كله والشباب تحديدًا، رغم أن كثيرين يعتقدون أن «السيسى» صاحب القرار فيها، وهذا ليس صحيحًا بالقطع لكل من يعرف خبايا وتفاصيل صناعة «اللا قرار» فى هذا البلد. أما حمدين فنقاط ضعفه فى مواجهة السيسى كثيرة، لكن نقطة قوته الأساسية هم الشباب الذين لم ينفصل عنهم يوما «الفتى حمدين». لكن هل يكتفى هذا الشباب بخوض المعركة من ميدان «فيسبوك»، أم ينزل ميدان الشارع؟. هذا هو السؤال والتحدى.