لا حديث هذه الأيام إلا عن الاستفتاء على الدستور المصرى الجديد، حيث امتلأت الشاشات وسودت الصفحات بالأقوال والمقالات، التى إما تؤيد هذا الدستور وإما تقوم بالاعتراض عليه، وارتفعت الأصوات المؤيدة والمعترضة على حد سواء، حتى بلغت عنان السماء، وأصبح الناس يمسون ويصبحون على مناقشات الاستفتاء وتصريحات من سيذهب ويصوت ب«نعم»، ومن سينزل ويقول لا، ومن قرر أن يبطل صوته من أساسه، ومن قرر أن يقاطع، وهكذا دواليك. وبما أن التصويت يبدأ اليوم فقد رأيت أن أشارك حضراتكم الرأى فى مسألة التصويت على الدستور، وأسباب قناعتى بأن أضع بطاقة التصويت فى الصندوق الانتخابى اليوم، مؤيدة لهذا الدستور، بقولى «نعم». وأنا لن أُدخل حضراتكم فى جدل دستورى أو فقهى أو قانونى حول السلطات والضمانات ونظام الحكم، وما إلى ذلك. ولن أدخل فى تفاصيل التفاصيل حول المواد والألفاظ الواردة بها، ولن أفتش فى النيات حول مقاصد من صاغوه أو من اعترضوا عليه، وإنما سأضع أمامكم ببساطة قناعاتى كمواطنة مصرية، امرأة عاملة وزوجة وأم وجّدة مهتمة بالشأن العام، وتمارس حياتها العملية الآن كجزء من المجتمع المدنى. أنا ما يهمنى فى هذا الدستور أنه هو الأصل الذى ستنبع منه جميع القوانين التى ستؤثر ليس فقط على حياتى، ولكن بالأكثر على حياة بناتى وأحفادى -إن شاء الله- وهذه هى قيمة أى دستور أو وثيقة حاكمة. فى نهاية الأمر بعبارات أخرى كان معيارى فى اتخاذ القرار هو هل سيؤثر هذا الدستور إيجابا على حياتى ومستقبل وطنى أم لا؟ هذا هو السؤال الحاكم بالنسبة إلىَّ، ولذلك قرأت مواد الدستور بعناية، ثم قارنت بينها وبين دستور 2012، خصوصا بالنسبة إلى المواد التى تمت إعادة النظر بها. وفى ضوء ذلك اخترت اليوم أن أصوت ب«نعم» عن رضا وقناعة. فعلى سبيل المثال أنا أعتقد أن المادة «11» من الباب الثانى الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع التى تكفل المساواة بين المرأة والرجل فى الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هى مادة تتلافى العيوب السابقة فى دستور 2012 بشأن حقوق المرأة. كما أننى كمواطنة أرى أن المواد «18، و19، و23» التى تتحدث للمرة الأولى عن تحديد نسب تلتزم بها الدولة كحد أدنى للإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمى، هى مواد تخطو بنا إلى الأمام، لأنها تضمن مستقبلا أفضل للأجيال القادمة، التى يجب أن تعيش فى مناخ يكفل توفير مستلزمات التقدم وفقا لمعايير العالم الحديث القائم على التنافسية. كما أن المادتين «47، و50» من نفس الباب بشأن الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة والحفاظ على تراث مصر الحضارى والثقافى قد استعادتا لمصر شخصيتها القائمة على الاحتفاء بالتنوع واحتواء الاختلاف دون استعلاء أو إقصاء، بل حقوق متساوية لكل منا فى تاريخ هذا الوطن ومستقبله بوصفنا جميعا مصريين. وأنا أدعوكم جميعا قبل اتخاذ القرار بشأن الاستفتاء على الدستور لقراءة مواد الباب الثالث حول الحقوق والحريات والواجبات العامة، التى أعتقد أنها شديدة التميز بما ورد فيها من نصوص، تبدأ بأن الكرامة هى حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، ثم تشمل تجريم خطاب التمييز والحض على الكراهية والتأكيد أن الحرية الشخصية مصونة لا تمس، وأن التهجير القسرى للمواطنين محظور، وأن حرية الاعتقاد مطلقة، وأن حرية الفكر والرأى والبحث العلمى والإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وأنه من حق المواطن الحصول على المعلومات، ومن واجب الدولة الإفصاح عنها بشفافية مع إلزام الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية. وإضافة إلى ذلك، فقد كفل الدستور فى هذا الباب حق المواطنين فى تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية بمجرد الإخطار مما نأمل معه فى رؤية طفرة فى نشاط المجتمع المدنى المصرى. أنا على ثقة بأننا جميعا على اختلاف آرائنا وتوجهاتنا وانتماءاتنا نسعى إلى مصر ديمقراطية تحترم جميع أبنائها، مصر بها سلطات متوازنة تراقب بعضها البعض فى التزامها بما ورد فى الدستور، ويراقب أداءها جميعا برلمان ينتخبه الشعب المصرى حفاظا على حقوقه وحرياته، وبالتالى فخطوتنا الأولى تجاه ذلك هى وجود دستور ينص بوضوح على هذه الحقوق والحريات، ويلزم الدولة بالتزامها. وهذا بلا شك يلقى بمسؤوليات جسيمة على الرؤساء والحكومات القادمة، ويلزمهم بإصدار الآلاف من التشريعات والقوانين التى تترجم نصوص الدستور إلى إجراءات على الأرض تنعكس إيجابا على حياتنا جميعا. وهذا هو التحدى الرئيسى الذى سنواجهه حكومة وشعبا فى سعينا لعبور هذه المرحلة الانتقالية، التى نرغب جميعا بانتهائها بأسرع وقت ممكن، ونقطة البداية اليوم هى الذهاب إلى لجان الاستفتاء، والإدلاء بالرأى فى الدستور المعروض علينا، كل وفقا لقناعاته، أما أنا فقد اخترت التصويت ب«نعم» للأسباب السابق ذكرها. ودمتم!