قدرت رواتبهم 24 مليار جنيه سنويًا.. وخبراء يطالبون بتدريب موظفى الدرجتين الثانية والثالثة تبدو عجلات الإقتصاد فى مصر متعثرة، ويعلن كثيرون على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، أنهم يحاربون لدفعها إلى الأمام، مؤكدًا على أن الشعب تحمل كثير وهو يعلم بذلك، لكن فى سياق كل ذلك تزيد معاناة البلاد وتعود إلى الوراء ليغتني آخرين على حساب الشعب، ولم لا وهم مستشارون الدولة، المعينين فى كافة الوزارات والمصالح الحكومية ويتمتعون بامتيازات لا حصر لها، لكن للأسف نجد منهم من لا يقنع ويستغل عمله للتربح على حسابنا، كان آخرهم مستشار وزير المالية، المقبوض عليه يتقاضى رشوة مليون جنيه من أصل أربع ملايين من صاحب شركة مقاولات، ومن قبلها رشوة مستشار وزير الصحة التي قاربت الخمسة ملايين جنيه مقابل تلاعبه وسابقه وإهدارهما مليارات الدولارات على الدولة، بحسب ما كشفته الرقابة الإدارية، ما يفتح ملف دولة المستشارين، الذين بخلاف رواتبهم الرسمة التى قدرتها إحصاءات بنحو 18 مليار جنيه، بما يعادل حوالى 9% من إجمالى المبالغ المخصصة لرواتب العاملين فى الدولة، أى أن 20 ألف مستشار يحصلون على ما يقرب من عشر ما يحصل عليه 5.6 مليون موظف يعملون فى الجهاز الإدارى بالدولة، وبالرغم من ذلك لا يكتفون لنجد منهم الفاسد الذى يسعى للنهب وإهدار الملايين على الدولة مستغلًا منصبه. 83 ألف مستشار وبحسب المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق فإن 83 ألف مستشار يعملون بالوزارات والهيئات المختلفة، يتقاضون شهريًّا ملياري جنيه، ما يعادل 24 مليار جنيه سنويًّا على شكل رواتب ومنح وحوافز، وذلك حسب تقرير أصدره المركز المصري للدراسات الاقتصادية فى وقت سابق. واعتبر خبراء القانون والاقتصاد، كثرة عدد المستشارين بالوزارات والبنوك والمؤسسات الحكومية يدل على استمرار فساد النظام السابق، إذ يطالب الدكتور عادل عامر -مدير مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والقانونية بضرورة مواجهة ذلك عن طريق سن تشريع حازم وصارم ويوجب الاستغناء عن شق هائل من المستشارين في المحافظات والوزارات. ابتداع نظام المستشارين وتطوره فى سياق المنطق والواقع، فإن المستشارين يفترض أنهم أهل علم وخبرة، يساعدون المسؤل فى اتخاذ القرارات العملية والعلمية الدقيقة التى تحقق الصالح للعامة، لكن للأسف نجد عادة ما يكون اختيار المستشار على أساس الثقة والقرابة، وليس على أساس العلم والخبرة، بل فاضت الشكاوى منذ قديم الأزل بكون المستشارين عادة ما يكونوا جنرالات سابقين، وهو ما عرفته مصر منذ قيام ثورة يولية 1952؛ حيث وقتها تم تعيين عدد من الضباط الأحرار كمستشارين فى بعض الجهات الحكومية، ثم تطور الأمر بعد ذلك حتى أصبح منصب المستشار فى وزارات ما قبل الثورة نوعاً من الرشوة المقنعة للبعض، أو التكريم للبعض الآخر، أو كمجاملة لثالث، وبعد قيام ثورة 25 يناير اعتقد البعض أن النظام قد تغير بالفعل وطالبوا بالقضاء على جيش المستشارين، لكن للأسف ما زال الواقع يطالعنا بفسادهم رغم أزمة وجودهم فى حد ذاتها. عزبة حكومي بعد القبض مؤخرًا على مستشار وزير المالية بتهمة الرشوة، خرجت أحاديث عن صلته بالوزير، وتساؤلات حول أسباب اختياره له وثقته فيه، وهل هى فعلًا العلم والخبرة أم كما يتردد علاقة النسب والمصاهرة والتمتع بالثقة، وهو ما لم يجزم به المعلومات الرسمية والتحقيقات النيابية حتى الآن، لكننا فى ذلك السياق لا يمكن أن ننسي الدكتور أحمد عزيز مستشار وزير الصحة لشؤن أمانة المراكز الطبية المتخصصة، المقبوض عليه فى وقت سابق لتلقيه رشوة تبلغ 4 ونصف مليون جنيه، من إحدى شركات الأجهزة والمستلزمات الطبية بمقر ديوان عام وزارة الصحة، وتم ذلك وهو متلبسًا بالصوت والصورة، أثناء تقاضي جزء من مبلغ الرشوة، فيما انتشر فيما بعد أنه كان صديقًا مقربًا للوزير وزميلًا له بالجامعة. قوانين في الثلاجة يرى الدكتور عمرو عادلى، الباحث بمركز كارنيجى للدراسات الاقتصادية، أن الحديث عن تعداد المستشارين ومرتباتهم فى الجهاز الإدارى للدولة، متضارب ويشوبه الغموض رغم تكرار الحديث عنه منذ ثورة 25 يناير، وسيظل كذلك فى ظل تعدد الأجور وعدم وجود هيكل محدد لها، بخلاف كون الأجور المتغيرة غير القائمة على مرتب أساسي ثابت تمثل القطاع الأكبر من المرتبات التى تدفعها الدولة، وتلك مسألة ليس من السهل التحكم فيها إذا ما وضعنا فى الاعتبار وجود انتدابات من جهة إلى جهة وتعينات على أساس منح لا تدفعها الوزراة أو الجهة الحكومية بشكل مباشر للموظف. وأشار الباحث الإقتصادى إلى اعتبارات أخرى، باعتبار المستشار من أبناء القطاع أو المؤسسة الحكومية ويقبض راتبه منها، أم أنه قادمًا من الخارج من جهة حكومية أخرى أم أنه من خارج كل ذلك وقادم من القطاع الخاص أو غيره، وكذك مسألة اختيار المستشار هل تتم بقواعد محددة معروفة للجميع أم بقرارات فردية، علاوة على صلاحيات المستشار وهل يقدم الخبرة الفنية والنصح أم أنه يملك صلاحيات اتخاذ القرار ويضلع فيه، ولماذا لا يكون المستشار الخير من وكلاء الوزارة أو مديرى إدارتها او ممن يليهم. وطالب بتشريع قانونى يضبط مسألة الأجور صعوبة ضبط ذلك باعتبار كثيرون ليسوا معينين على حساب الجهة والحكومة ومن أبنائها، وإنما جاءت تعينهم فى سياق منح، علاوة على تشريع يقنن وضعية المستشارين وعددهم وآليات اختيارهم، وهو ما سيكون الفيصل بوجود قواعد محددة بعيدًا عن تضارب المصالح و"توزيع التورت" -حد قوله-. وسلط "عادلى" لاضوء على ضرورة تطوير الجهاز الإدارى للدولة، وزيادة كفاءة أفراده والقائمين عليه حتى يكونوا فى موضع المسؤلية دون البحث عن أزرع أخرى يعملون بها، وذلك يساعد فى الحد من التكلفة الباهظة للفساد، الذى يجب أن يكون محور بحث للمحاربة طوال الوقت، دون أن كون الأمر فى مواسم مؤقتة أو داخل قطاعات وأخرى غيرها مغفل البحث والتدقيق فيها. مغارة الفساد قسم الدكتور عبد الرحمن عليان، الخبير الإقتصادى، المستشارين فى الجهاز الإدارى للدولة، بالمطلوبين الخبراء بالأصل وعلى علم واسع بمجال عملهم بما يحتم الاستعانة بهم فيه، وآخرين يتم اختيارهم بالمجاملة وعلاقات الصداقات، ولذلك يجب عدم أخذ أحدهم أو جميعهم بذنب فرد واحد أو حتى أكثر، وذلك لكون الفساد سلوك عام قد يكون موجود عند الموظف الصغير الذى يأخذ مئات والمسؤل الكبير الذى يتقاضي ملايين فهذا فكل يتسبب ى خسارة للدولة بأضعاف أضعاف ما يتقاضى، لذلك يجب محاربة من يخالف الضمير الحى منهم بفرض الرقابة وعدم التستر على أيًا منهم. ويرى "عليان" أن تقدير تكلفة مستشارى الدولة بنحو 24 مليار جنيه سنويًا رقم مبالغ فيه، قائلًا: حتى لو كانوا يتقاضون مليارين أو ثلاثة سنويًا فذلك رقم مهول ينبغى تخفيضه، خاصة إذا ما وضعنا هؤلاء المستشارين فى دائرة التقييم والتساؤل عن حجم الاستفادة العائد على الدولة من كل واحدًا منهم، معتبرًا الراتب الضخم للفاسد يزيده فسادًا وليس قناعة، خاصة أن منصب مستشار الوزير أمر مرموق، عادة ما يأتى من خارج المؤسسة فيكون صاحب كلمة مسموعة ويفترض أنه العالم الخبير، فينصاع له الجمع ويوقرونه ويمنحونه ثقتهم، بما يمكنه من سوء استغلالها لو كان فاسد الضمير. وطالب الخبير الاقتصادى بتشديد الرقابة، والتدقيق فى اختيار الوزراء والمستشارين فى الدولة، وتأهيل موظفين الصف الثاتى والثالث فى الوزارات والمؤسسات الحكومية، ولذلك لخلق كوادر ذات كفارة وخبرة للقيادة، قائلًا: "لا يصح أن نجد موظف ظل 20 أو 30 سنة دون أن يحصل على تدريب واحد أو تضاف له مهارة جديدة، فى حين أنه يمكن أن يكون شديد الدقة والكفاءة فى عمله، لكنه على جهل وضعف للرؤية فيما يتعلق بمنظومة العمل كاملة، مؤكدًا أن ذلك لن يتحقق إلا بخطط واضحة وخطوات ثابتة، تجنبًا لإهمال القيادات لتلك الفئات اعتقادًا أن ذلك يحفظ لهم مناصبهم.