استيقظ الناس فجراً على هتافات تهز ميدان التحرير. خرج كثيرون بملابس النوم إلى الشرفات. كان هناك آلاف يحتشدون فى تحد سافر لقانون التظاهر. دقق حراس تأمين الميدان فى وجوه من يرفعون الهتافات، تعرف بعضهم على ملامح خالد سعيد ومينا دانيال وجيكا وسالى زهران وغيرهم من مشاهير الشهداء. هرع مجند إلى عربة الدورية الراكبة ليوقظ الأمين. فى لحظات انتقل الخبر إلى غرفة المراقبة ومنها إلى قائد العمليات. صرخ وزير الداخلية نصف النائم فى مدير الأمن عبر محموله الخاص: ورحمة أمى يا احمد لو مصحينى عشان موضوع أقل من اغتيال رئيس الوزراء حارمى طلب مد خدمتك ف أوسخ صفيحة زبالة! ناقصك أنا؟ تمالك الرجل نفسه ورد بجدية: يا فندم فيه مظاهرة شهداء بيقودها خالد سعيد ومينا دانيال وبيهتفوا تيران وصنافير مصرية! انفجر الوزير مقاطعاً: أح ح ح.. مد! شكلك ضربت قرصين من عقار الهلوسة التركى اللى قفشناه إمبارح ف المطار! من إمتى الشهداء بينطوا سور الجنة ويعملوا مظاهرات؟ جاء الرد بصوت خافت خائف: لو مش مصدقنى سيادتك كلم غرفة العمليات. تمالك الوزير أعصابه. ضحك وقال لنفسه: تلاقيهم شوية عيال ثورجية لابسين ماسكات. الله يخرب بيت أم خفة الدم اللى بتوقع قلب لواءات آخر زمن. أمر الوزير نائبه بتنفيذ تعليماته بالحرف: شهداء ولاّ مش شهداء مايهمنيش، طالما مظاهرة بدون إخطار يبقى تنفذ القانون بدون أى تردد. خراطيم مياه، وبعدين غاز، ولو لقيت الموضوع حيطول تتعامل معاهم بالخرطوش. نص ساعة مش أكتر وتدينى تمام بفض المظاهرة واعتقال قياداتها. المياه والغاز والخرطوش لا يؤثرون فى الشهداء. استمرت المظاهرة، علا صوت جيكا بهتافه الذى تسبب فى استشهاده: الداخلية.. بلطجية. علت هتافات متداخلة من بينها: الشهداء طالعين في مظاهرة.. طايرين فوق الأرض الطاهرة، ويا تيران يا صنافير.. إحنا لسه عددنا كتير. تأكد الجميع أن الأمر جد لا هزل فيه. رغم ذلك تعاملت القيادة السياسية بنفس خفة أسلافها، واستخدمت عبارتها الخالدة: خليهم يتسلوا! ظن العباقرة أن إحاطة المظاهرة بكوردون من الجنود الذين يرتدون دروع النينجا تيرتل سيمنع الشعب من رؤيتها. الشىء الوحيد الذى منع انتشار الخبر فى وسائل الإعلام هو عدم قدرة الكاميرات على التقاط صور الشهداء. كانت أفلام الفيديو تعرض لقطات لجنود يضربون الفراغ أمامهم بالخرطوش وقنابل الغاز. رغم هذا تناقل الناس الحكايات، وأثرت المعجزة كثيراً فى كل من ذهبوا إلى الميدان وشاهدوا مظاهرة الشهداء بأعينهم. تبارت الوجوه المحروقة فى ردود أفعالها. صرح شفيق فى منفاه: ما يبعتولهم بونبونى؟ وأفتى برهامى بهدوء وثقة بأن خروج الشهداء على الحاكم بدعة تدخلهم النار! صرخ عبد الرحيم على: عندى تسجيلات لكل شهيد منهم. وانفعل بكرى قائلاً: هما عايزين إيه؟ زمان كان الشهيد من دول بيفضل باصص على أهله من صورته المتعلقة على الحيطة بمنتهى الوقار وبيخليه ف حاله. شوفوا البلاد اللى بتتفشخ حوالينا وحتعرفوا إنهم بينفذوا أجندة صهيو أمريكية. حزق أحمد موسى: دول أكييييد كومبارس معمول لهم ماكياج فى هوليوود وعندهم محركات نفاثة فى البنطلونات.. هاااااح! الكوردونات البائسة لم تتمكن من محاصرة الشهداء الذين انتقلوا طائرين إلى قصر الحكم. انتشرت أخبارهم يوماً بعد آخر وانضمت إليهم الجموع من أطراف البلاد. أخبرهم صاحب السلطة فى الميكروفون بنعومة من شرفة القصر: عودوا إلى قبوركم وسيتم تكريمكم رسمياً! جاءته الإجابة بهتاف رفعه جيكا: صنافير وتيران مصرية.. مطالبنا مش فئوية.. كلها مطالب شعبية.. عيش وكرامة إنسانية.. أهذه فانتازيا؟ لا، لا أظن. مقال نشر من عامين وأعيد كتابته بتصرف يلائم الوضع الحالى.