في الوقت الذي اتهم فيه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نظيره الأمريكي جون كيري بأنه أدلى بتصريحات "مُسرَّبة" لوَّح فيها باستعداد إدارة أوباما لاستغلال ليس فقط تنظيم "جبهة النصرة"، بل وأيضا تنظيم "داعش"، في الحرب ضد نظام الأسد، لفت في الوقت نفسه إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وفريقه تدل على رغبتهم في التخلي عن الكيل بمكيالين في مجال محاربة الإرهاب. وأعرب "لافروف" عن أمله بأن تقبل الإدارة الأمريكية الجديدة الدعوة للمشاركة في مفاوضات أستانا حول الأزمة السورية، وبأن يكون لخبرائها تمثيل على أي مستوى مناسب بالنسبة لهم. واعتبر مراقبون أن موسكو متخوفة من عدم مشاركة الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية في هذه المفاوضات، إذ أعلن لافروف أن لديه معلومات بأن بعض الدول الأوروبية تفكر في إفساد المفاوضات المزمع إجراؤها في العاصمة الكازاخية، لأنها شعرت بأنه جرى تهميشها، محذرا تلك الدول التي لم يذكرها من القيام بمثل هذه الخطوة. ومن جهة أخرى، رأى المراقبون أن موسكو تقوم بالضغط ليس فقط على فصائل المعارضة السورية من أجل المشاركة بأي شكل في مفاوضات أستانا، بل وأيضًا تبذل ضغطًا شديدًا على الولاياتالمتحدة نفسها وتضعها أمام خيارات شحيحة: إما المشاركة أو إجراء المفاوضات بأي شكل وفي أي صيغة. من جهة أخرى، اعترف وزير الخارجية الروسي - بأن المفاوضات السورية المرتقبة في أستانا ستستهدف فقط تعزيز نظام وقف إطلاق النار في سوريا، في إشارة واضحة إلى أنها لن تتطرق إلى أي محادثات سياسية حول تسوية الأوضاع في سوريا وإيجاد حلول للأزمة. ووعد لافروف فصائل المعارضة المشاركة في مفاوضات أستانا بضمان المشاركة كاملة الحقوق للقادة الميدانيين في التسوية السياسية، مؤكدًا على أنه بإمكان أي فصائل مسلحة أخرى (بالإضافة إلى الفصائل التي وقعت على اتفاق الهدنة) أن تنضم لعملية المصالحة في سوريا، مضيفًا بأن الجانب الروسي قد تلقى طلبات بهذا الشأن من عدد من مجموعات المعارضة المسلحة. غير أن مراقبين اعتبروا تصريحات لافروف هذه مغازلة لفصائل المعارضة التي رفضت المشاركة في تلك المفاوضات من جهة، ومحاولة للضغط عليها من أجل المشاركة وإلا فسوف تجري المفاوضات بدونها من جهة أخرى. ولفت إلى أن ما كان ينقص مفاوضات أستانا إلى الآن، هو مشاركة الأطراف المؤثرة فعلا على الوضع الميداني، موضحًا بأن نظام الأسد - وقَّع على اتفاقيات بهذا الشأن مع القادة الميدانيين للجزء الرئيسي من المعارضة، حسب قوله. وأضاف بأن أحد أهداف لقاء أستانا يكمن في التوصل إلى اتفاق حول مشاركة هؤلاء القادة الميدانيين في العملية السياسية، معتبرًا أن مشاركتهم في العملية السياسية يجب أن تكون كاملة الحقوق، بما في ذلك دورهم في صياغة الدستور الجديد وملامح المرحلة الانتقالية. وأعرب "لافروف" عن اعتقاده بأنه لا يجوز اقتصار نطاق المشاركة على تلك الفصائل التي وقعت على اتفاقية وقف إطلاق النار، بل يجب أن تشمل أي تشكيلات مسلحة تريد الانضمام لهذه الاتفاقيات.
وبشأن المشاركة الدولية المحتملة في مفاوضات أستانا، قال: إنه "من الصائب توجيه الدعوة لحضور اللقاء إلى ممثلي الأممالمتحدة والإدارة الأمريكية الجديدة"، مشيرًا إلى أن اللقاء سيعقد في 23 يناير الحالي، أي بعد تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب. وشدد على أنه في حال موافقة واشنطن على حضور المفاوضات، فسيكون ذلك أول اتصال رسمي بين موسكو والإدارة الأمريكية الجديدة بشأن سوريا، معربًا عن أمله مرة أخرى بأن يكون التعاون مع فريق ترامب في الملف السوري، أكثر فعالية، مقارنة بالتعاون مع إدارة باراك أوباما. في هذا الصدد تحديدا، أكدت مصادر روسية على أن موسكو قررت الضغط ليس فقط على أطراف المعارضة السورية، بل على الدول التي ترفض المشاركة، أو الدول التي لديها انتقادات لسياسات روسيا في سوريا عموما، ومحاولات موسكو وضع الجميع أمام الأمر الواقع على وجه التحديد. واعتبرت هذه المصادر أن الوقت ضيق أمام إدارة ترامب من أجل الاستعداد للمشاركة في هذه المفاوضات، وذلك في تلميح بأن روسيا تضع إدارة ترامب أمام أول اختبار حقيقي لمعرفة نواياها تجاه الأزمة السورية، وللوقوف على نظرته إزاء خطوات روسيا السياسية والعسكرية لتسوية الأزمة السورية.