تتمثل مشكلة مصر حاليا وقبل كل شىء فى حالة متصاعدة من تصادم الإرادات وتضارب الأولويات بين أعضاء المعسكر الواحد فى الصراع الدائر الآن بين الأطراف المتناحرة على ساحة المشهد السياسى المصرى والذى زاد من حدته انتقاله إلى مستويات بالغة الخطورة باختلاطه بالاستخدام المؤثّم والمدان للإرهاب الدموى كأحد الأسلحة المحرّمة وغير المشروعة فى مثل هذه الصراعات، حيث انتقلت عمليات القتل والترويع من سيناء إلى قلب الوادى لتروع حياة المواطنين المسالمين لتدخل الكتلة الصامتة والتى تكتفى بالمشاهدة فى أغلب الأحيان إلا قليلا كطرف فى هذا التناحر، وينتقل المشهد الراهن من كونه قضية تتعلق بمواجهة الجيش أو الأجهزة الأمنية لعناصر الإرهاب، كما كان معتقدا إلى مواجهات دموية أصبح طرفا فاعلا فيها المواطن المصرى الذى ظن أنه قد أدى بالفعل ما هو مطلوب منه بنزوله مرتين متتاليتين إلى الشوارع بالملايين منذ أشهر أملًا فى الانتقال إلى مرحلة أكثر أمنًا واستقرارًا تؤدى إلى استعادة حياته اليومية وتحقق الأهداف التى طال انتظارها من الثورة المصرية المسالمة والتى ترمى فى جوهرها إلى تحقيق الكرامة الإنسانية بكل ما يقتضيه ذلك من حريات وحقوق ستوضع موضع التطبيق حال إقرار الدستور الجديد المنتظر التصويت عليه خلال أسبوعين، وبينما ظن المصريون المسالمون الذين أنهكت قواهم خلال السنوات الثلاث الماضية أنهم قد وضعوا أقدامهم على أول الطريق إلى النهاية المأمولة لأحزان واضطرابات هذا الوطن، إذ بالأحداث تنفجر فى وجوههم من حيث لا يحتسبون ولا يتمنون، فإضافة إلى الحوادث الإرهابية المروّعة والغريبة فى قسوتها ودمويتها على طبيعة المصريين فى عمومهم فإن الأمر لم يقتصر على ذلك رغم بشاعته، فسنة 2013 ذات الأحداث «التسونامية» المتلاحقة التى لم تتح لنا فرصة لالتقاط الأنفاس ولو لبرهة قصيرة من الزمن قد قررت أن تزيدنا من الشعر بيتا، وكأنه كما يقول المثل الشعبى المصرى «إن المشرحة ناقصة قتلى» فإلى جانب الإرهاب قررت الأطراف المختلفة أن تدلى بدلوها فى زيادة سجل المشكلات التى لا تنتهى، حيث استل أطراف المعسكرين المتناحرين على ساحة الوطن بمن فيهم من الفاعلين والنشطاء والشخصيات العامة المعروفة سيوف الكراهية وأخرجوا خناجر الغدر وتصفية الحسابات من غمدها وتباروا فى طعن بعضهم البعض فى ظهورهم باتهامات صادمة أفقدت الجميع ثقته فى الجميع، حيث فاقت هذه الطعنات المعنوية التى يوجهونها إلى بعضهم البعض فى أثرها السلبى المدمر كل ما يحاولون توجيهه من ضربات قاضية ضد المعسكر الآخر، ليس هذا فحسب، بل إن داخل أطراف المعسكرات التى تشمل أيضا مؤسسات نظام الحكم قد انقسم المشهد إلى ما يمكن أن نسميه الصراع بين الكبار والصغار سنًّا، عاكسا الصراع بين المناهج التقليدية والمحافظة فى تناول القضايا والصبر على المكاره وبين مناهج الخروج على المألوف والجرأة فى تناول الأمور وتحدى المكاره، بدلًا من الصبر عليها والخطر فى هذا الشأن أن مناهج وسياسات الكبار قد تبالغ فى تقليديتها حتى تصل إلى حد «التصلب» أو التعنت المتمترس خلف الخبرات المتوارثه والحكمة المعتادة، بينما يمكن أن تندفع مناهج وردود فعل الصغار فى خروجها عن المعتاد لتتصف «بالتهور» أو الاندفاع المستند إلى فورة الشباب وفقدان الثقة وخيبة الأمل ليس فقط فى الماضى والحاضر، ولكن أيضا فى المستقبل، وبالتالى فإن الخلافات على ساحة الوطن الذى بالفعل قد أثخنته الجراح قد جرفت الجميع وامتدت طولا وعرضا شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، لتصنع واقعا مرشحا للخروج عن السيطرة يشاهده أغلبية المصريين وهم فى حالة ذهول من خلفيات وأسباب امتداد التناحر إلى أصدقاء وحلفاء الأمس الذين أصبحوا أعداء اليوم، والمحزن أن ذلك كله يتم على أرضية ما آمن به المصريون من ثورة سلمية نقية منزهة عن الأغراض والمصالح الشخصية، فالمؤسف أن الجميع باستثناءات قليلة قد تباروا فى ظل هذا الصخب والضجيج ومناخ الاستباحه المغرضة للنيات ليدّعوا الامتلاك الحصرى للنقاء الثورى والحيازة المنفردة لتوكيل التحدث باسم رغبات المصريين، وخرج الكثيرون كبارًا وصغارًا من كل فج عميق أو ربما من كل جحر بعيد، مدّعين أنهم أصحاب المصداقية وغيرهم كاذبون، وأنهم على حق وغيرهم على باطل، غير مدركين أنهم بهذه الممارسات ينحدرون بنا كلنا دون ذنب جنيناه إلى هوة سحيقة من اليأس بعد هدم المعبد على رؤوس الجميع، وأولهم هؤلاء المصريون الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى تصفية الحسابات السياسية والصراع حول حكم مصر والرغبة فى سحق الطرف الآخر، فكل ما يفكرون فيه هو «تصفية ديونهم المالية و«جوهر صراعهم» هو ضد الفقر والحاجة، وكل ما يرغبون فيه هو العيش الآمن والحفاظ على كرامتهم الإنسانية وليس هذا على الله بكثير. فارحمونا يرحمكم الله!