الأمن يستخدم الغاز المسيل والمطاطى لتفريق الآلاف فى إسطنبولوأنقرة وإزمير الجيش يعلن أنه على الحياد.. ويوجه رسائل تحذيرية مبطنة للحكومة الإسلامية يبدو أنها «الورقة الأخيرة»، التى سيحرص رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان على التمسك بها، ألا وهى القمع، بعدما تساقط معظم الورق الذى كان بين يديه وينهار من أمامه حلم الرئاسة التى كان ينوى الترشح لها عام 2015، وربما حلم استمرار هيمنة حزبه «العدالة والتنمية» (إحدى أذرع التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين) على الحياة السياسية التركية، فى أعقاب فضيحة الفساد التى طالت معظم المقربين له، وحتى بعض أفراد أسرته، وهو نجله بلال، الذى أفادت تقارير واردة من صحيفة «يورت» التركية هروبه إلى جورجيا. كان ردّ قوات أمن أردوغان على الآلاف الذين خرجوا للشارع فى ساحة تقسيم فى إسطنبول وفى العاصمة أنقرة، وفى مدينة إزمير الساحلية استخدامها قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطى فى تفريق التظاهرات الحاشدة، بينما أفادت تقارير باعتقال أكثر من 30 شخصًا من المشاركين فى الاحتجاجات. ورفع المشاركون فى الاحتجاجات شعار «ارحل» فى مواجهة أردوغان وحكومته، بينما رفع آخَرون شعار «هناك لصوص»، فى حين وعد «منبر تقسيم»، ذلك الكيان المعارض الذين نشأ فى أعقاب احتجاجات «جيزى بارك» فى تقسيم، باستمرار الاحتجاجات إلى حين رحيل حكومة «العدالة والتنمية». ونقلت شبكة «يورو نيوز» عن أحد المشاركين فى الاحتجاجات قوله «أعتقد أنهم غرقوا فى الفساد، والتغيير الوزارى الجديد غير مُجدٍ. على أردوغان الاستقالة لأن الأتراك سئموا. المواطنون تحت الضغط ولن تريحهم التسميات الأخيرة». ووسط ذلك كله، وعقب تصاعد تقارير عن إمكانية تدخل الجيش سواء مع أردوغان أو ضده، أصدرت رئاسة أركان الجيش التركى بيانًا رسميًّا أعلنت فيه الحياد. وقال الجيش فى بيانه «القوات المسلحة التركية لا تريد التدخل فى النقاش والسجال السياسى، ولكنها فى نفس الوقت ستراقب من كَثَبٍ التطورات بشأن هويتها المؤسسية والأوضاع القانونية الخاصة بأعضائها». وتابع قائلا «تم احترام الإجراءات القضائية المتعلقة بأفراد القوات المسلحة التركية تماشيًا مع الالتزامات والمسؤوليات المنصوص عليها فى القانون، ونتوقع ذلك من الجميع»، وهو ما اعتبره مراقبون، رغم ما يظهر منه من كونه إعلان حياد، يتضمن غضبًا مُبطَنًا من هجوم عدد من أعضاء «العدالة والتنمية» على الجيش وأنه هو من يشعل نار تحقيقات فضائح الفساد الأخيرة، التى أزَّمَت موقف أردوغان وحكومته بصورة غير مسبوقة. وما يعزز ذلك أن بيان الجيش يأتى بعد أن نشرت صحيفة موالية للحكومة الجمعة مقالا لمستشار سياسى مقرب من أردوغان، يوحى بأن الفضيحة المالية التى تطال الحكومة الإسلامية أثيرت لتمهيد الطريق أمام تدخل للجيش. كما وُجهت فى السياق ذاته ضربة قضائية قوية من قبل مجلس الدولة التركى، أعلى سلطة قضائية تركية، الذى عطل مرسومًا حكوميًّا يُجبِر قوات الشرطة على استئذان الحكومة قبل القبض على أى شخص أو مسؤول كبير يمكن أن تؤدى عملية اعتقاله إلى أزمة مالية وسياسية فى البلاد، واستئذان رؤسائه حتى لو كان مرسوم التوقيف تم إصداره من قِبَل القضاء. واعتُبر هذا الإجراء أداة للحكومة الإسلامية التى طالتها عدة عمليات تحقيق فى الفساد، للسيطرة على الشرطة. وقرر مجلس الدولة تعليق تنفيذ النص لأن تطبيقه «قد يُلحِق أضرارًا لا يمكن إصلاحها» فى عمل الدولة، حسب بيان المجلس، حسب صحيفة «حرييت ديلى نيوز» التركية. ويبدو أن الأزمة التى يمر بها أردوغان ظهرت حتى فى أقرب الصحف الموالية لحكومته مثل «حرييت ديلى نيوز»، التى عنونت تقريرها فى الصفحة الأولى ب«أيام عصيبة فى تركيا أو تغييرات حكومية واسعة». فى الوقت ذاته تتسع كل يوم هوة الخلافات داخل «العدالة والتنمية»، وتنهار كل الأحلاف التى كان «إخوان تركيا» عقدوها لوصولهم إلى الحكم، عقب استقالة ثلاثة نواب تابعين للحزب من بينهم وزير الثقافة السابق أرتورول جوناى، بسبب ما وصفوه ب«سياسات رئيس الوزراء الاستبدادية، وعدم الشفافية فى التعاطى مع مشكلة فضائح الفساد، وعرقلة عمل القضاء فى التحقيقات»، بخاصة عقب استصدار قرار بإبعاد المدّعى العامّ معمر أكاش المسؤول عن تحقيقات الفساد. يُذكَر أن أردوغان يواجه أزمة لم يشهد مثلها خلال الأعوام الأحد عشر التى قضاها فى منصب رئيس الوزراء. وتسببت الأزمة فى استقالة ثلاثة وزراء وفى تعديل حكومى وهزّ الاقتصاد التركى الذى كان نموه السريع من إنجازات حكمه. وسعى أردوغان لإظهار أنه لا يزال لديه مؤيدون، إذ حرص على وجود جموع من المؤيدين فى استقباله بمطار إسطنبول الذى يقع على بعد 20 كيلومترًا تقريبًا من موقع الاحتجاج، ورفع المؤيدون العلم التركى ورايات حزب العدالة والتنمية الحاكم لدى استقبال رئيس الوزراء بعد عودته من جولة فى عدد من المحافظات. كما دعا رئيس الوزراء فى وقت سابق أنصاره للتصويت فى انتخابات محلية مقررة فى مارس فى إطار ما وصفه ب«الحرب» على مؤامرة مرتبة من الخارج ومتخفية فى هيئة إجراءات جنائية. وشبه أردوغان الأصوات الانتخابية بالرصاص خلال كلمة ألقاها فى محافظة سقاريا، أحد معاقل حزب العدالة والتنمية الحاكم. وقال للجمهور المتحمس «أنتم بأصواتكم ستحبطون هذه المؤامرة الآثمة.. هل أنتم ملتزمون بتأسيس تركيا جديدة؟ هل أنتم مستعدون لحرب الاستقلال الجديدة فى تركيا؟».