تعلّمنا من الأفلام العربية القديمة تعبيرًا صار أشهر من نار على علم، ألا وهو «الشُّكك ممنوع والزعل مرفوع»، والجزء الأول من الجملة العصماء هو كناية عن أن الشراء على النوتة أو دون الدفع مقدمًا غير مسموح به، والشحاذون وعديمو الكاش يمتنعون وفقًا لنظام صاحب المحل أو صاحب البضاعة، وعلى كل زبون أيًّا كان أن يضع فلوسه على الترابيزة وبعد كده يشترى اللى نفسه فيه من الإبرة للصاروخ، ومن ربع الجبنة البيضاء إلى كيلو البطارخ ومن المأسوف عليها الفيات 128 للرولز رويس المحظوظة، وكما يقول المصريون الغاوى ينقط بطاقيته، أما النصف الثانى من الجملة الشهيرة فمعناه واضح لكل ذى عينين أو أذنين فالزعل من جانب الزبون لا يجب أن يكون واردًا، ببساطة لأن هذا هو النظام فى المحل كبر أو صغر ويطبق على الجميع على قدم المساواة، ومافيهوش خواطر ولا عشم، مناسبة هذا الكلام أنه كما ينطبق على الأفراد ينطبق على الأمم والشعوب، وبالنسبة إلى مصرنا المحروسة فهذا هو المثل الصحيح فى البلد المناسب فى المرحلة الملائمة، ولكن علشان يبقى مضبوط فعلًا فيجب إضافة كلمة «التشاؤم» إلى الجملة الشهيرة، لتصبح «الشكك والتشاؤم ممنوع والزعل مرفوع»، فالنسبة إلى ظروفنا مسألة التشاؤم هى بالفعل رفاهية من المستحيل تحملها أو حتى التفكير فيها ونتركها بقى للدول المتقدمة المتفائلة اللى دستورها مستقر من القرن اللى فات أو ماعندهاش دستور من أساسه وعايشة سعيدة وعارفة هويتها لوحدها، ومواطنوها بياخدوا حقوقهم من غير مايتخانقوا عليها فى الدستور، لأن الكل عارف ومتفق أن المواطن (والمواطنة طبعًا) هو صاحب الحقوق والامتيازات والدولة والحكومة بيشتغلوا عنده علشان يحققوا طلباته، وبالتالى براحته إذا حبّ يتشاءم شوية على أساس إنه بيزهق من التفاؤل والسعادة ومن حقّه يقلق شوية كتغيير، وحتى لو التشاؤم زاد شوية ودخل فى اكتئاب فالدكاترة النفسيون على قفا مين يشيل. لكن المصريين الغلابة اللى بقالهم ثلاث سنوات بيحاولوا يتفاءلوا بأى طريقة وبيضحكوا على نفسهم كل يوم ويقولوا أكيد المرحلة الانتقالية قربت تخلص وحنصحى يوم فجأة نلاقى الدنيا بقت بمبى، المصريون دول ماينفعش يستسلموا للتشاؤم المؤدى للاكتئاب وتبقى فضيحة بجلاجل إذا راحوا لدكتور نفسانى، وبعدين حنجيب دكاترة منين يعالجوا 90 مليونًا؟ حقيقى بجد إحنا ماعندناش رفاهية التشاؤم، ببساطة لأننا داخل النفق ولازم نتفاءل بالمستقبل علشان نخرج منه للضوء فى الناحية التانية، ومافيش خيار أمامنا إلا إننا نشتغل علشان ننجح فى تحدّى هذه المرحلة الانتقالية التى تبدو وكأنها لا نهاية لها، ولكن هذا غير صحيح، فنحن من سنصنع النهاية التى نريدها، وبالتالى فالتشاؤم أكيد ممنوع. فماذا عن الشُّكك، أو بعبارة أخرى «السلف»، أى الاقتراض بلغة إخواننا الاقتصاديين؟ دعونا نكون صرحاء مع أنفسنا قبل الآخرين، ونعترف بأننا قد نستطيع أن نعيش على الاقتراض لفترة محدودة، ولكن ليس للأبد، ونحن نعرف ذلك، والدول المانحة تعرفه أكثر منّا بلا ريب، فأين ينتهى ذلك بنا؟ برضه السبيل الوحيد لتخطّى ذلك الوضع هو أننا برضه لازم نشتغل وإلا فكيف سنزيد الناتج القومى ونجتذب الاستثمارات محليًّا ودوليًّا ونصدر للخارج ما نفخر بأنه صنع فى مصر؟ وبالتالى فالشكك أو الاقتراض دون أى شك أيضًا ممنوع. نأتى بعد ذلك إلى موضوع الزعل اللى هو مرفوع زى ما الجملة الشهيرة بتقول، وهذا حقيقى فى حالة الدولة المصرية، فإذا كان التشاؤم مرفوض والشكك ممنوع والشىء الوحيد المقبول هو التفاؤل والعمل الجاد لتحقيق الأهداف، فبطبيعة الحال «الزعل» ليس له محل من الإعراب، وعليه فإننى أدعوكم ونفسى للانتقال من مرحلة الشكوى والصراع والتشكك فى النيّات والأهداف والتصنيف والتخوين والاتهامات بالعمالة وزيادة الانقسام إلى مرحلة حسن النيّات المتبادل والتمسك بإيجابية بما يتحقق الآن خطوة خطوة، حتى ولو كانت بسيطة أو محدودة، وعدم التراجع عنها إلى المربع الأول مرة أخرى، فى محاولة للتجويد والتحسين وتحقيق نموذج مثالى فى ظل صراعات ومشاحنات لن تنتهى إلا بتقدّمنا للأمام والتمسك بالأمل فى غد أفضل لجميع المصريين.