لم يمحو الزمن من الذاكرة المصرية بعض الصور النمطية القديمة، فرغم اضطراب الأوضاع الاقتصادية، والشكوى من حالات الغلاء وصعوبة المعيشة، إلا أننا نكتشف أن كثير من المواطنين البسطاء، أغنياء ويملكون الآلاف إن لم يكن الملايين، لكنهم يخبئونها بمفهوم المقولة الشعبية "تحت البلاطة"، في دلالة على الحرص وإخفاء المال، لكن للأسف كثير من هؤلاء قد يخافون إيداع أموالهم في البنوك التى تقدم أرباح بنسب معقولة سنويًا أو شهريًا فى صورة شهادات استشمثار، ولكنهم يقدمون أموالهم ببساطة للنصابين، أمام مجرد توقيع على إيصال امانة ووعد خيالي بربح شهري خرافي لا يصدقه عقل ولا منطق، ويفرحون بها في البداية لكنهم سرعان ما يكتشفون الصدمة، ومهما انفضح النصابون وحيلهم، إلا أن المصريين لا يزالون يقعون ضحايا في شباكهم. فتاة عشرينية تجمع 15 مليون جنيه من أهالي المطرية آخر تلك الوقائع التي تؤكد أن النصاب في بلادنا قد يكون بمثابة بنك متنقل، هو تمكن ربة منزل تبلغ من العمر 29 سنة، من جمع 15 مليون جنيه من الأهالي بمنطقة المطرية، بزعم توظيف أموالهم في العقارات وتجارة الإجهزة الكهربائية، إلا أنها هربت بعد امتناعها عن سداد الأرباح المزعومة لمدة 6 أشهر، حتى تمكنت الشرطة من القبض عليها. واستمعت النيابة خلال التحقيقات إلى أقوال 16 مبلغًا من ضحايا المتهمة، أكدوا تحصلها من كل واحد منهم على عشرات الآلاف من الجنيهات، بحجة تشغيلها مقابل ربح شهرى 20%، زاعمة أنها تستثمر تلك الأموال في الاستشمار العقاري، وتجارة الأجهزة والمعدات الكهربائية، وبالفعل انتظمت في سداد الفوائد لهم إلا أنها امتنعت بعد ذلك. وأفاد المبلغون أنهم طالبوا المتهمة برد أصول أموالهم، لتعثرها في دفع الفوائد لهم لمدة 6 أشهر، متحججة بسعر الدولار وفرض الجمارك وأمور أخرى، ووعدتهم بالسداد خاصة أنها حررت لهم إيصالات أمانة بقيمة المبالغ التي تلقتها منهم، بما دفعهم للانتظار طوال تلك المدة، إلا أنها اختفت فجأة، وأغلقت جميع تليفوناتها، وغادرت محل سكنها، بما جعلهم يوقنون أنهم ضحية عملية نصب. مواطن يشكو استيلاء نصاب على 85 مليون جنيه من ألفين مواطن في أوسيم أجل 85 مليون جنيه، رقم حقيقي لمبلغ يؤكد صاحب شكوى منشورة على موقع جريدة قومية كبرى، أن نصاب يُدعى "عبده.م"، استولى عليه من قرابة ألفين مواطن يسكنون بأوسيم في الجيزة، مستشهدًا بأرقام رسمية لقضايا محكوم فيها بسجن "النصاب"، إحداها صدر فيها حكم نهائي، بتاريخ 25 فبراير 2015، تحمل رقم 18878جنح مركز أوسيم. وقال صاحب الشكوى ويُدعى عبد الجواد طه عديسة، إن الأموال التي استولى عليها المتهم تجاوزت 85 مليون جنيه، منذ 5 سنوات بدعوى توظيفها نظير فائدة 2.5%، وقد استغاث أهالي أوسيم بكل الجهات بداية من وزارة الداخلية وإدارتها المختلفة ومنها إدارة تنفيذ الأحكام ومحافظ الجيزة دون جدوى أو بارقة أمل في استعادة أموالهم من النصاب يتنقل بين مدينة 6 أكتوبر والشيخ زايد ومحافظة الإسكندرية بكل حرية رغم صدور العديد من الأحكام ضده، مؤكدًا أن من الضحايا من باع أرضه التي يمتلكها عن أجداده ومنهم من استدان وهناك أسر كاملة سلمت للنصاب ملايين الجنيهات، ومن بين الضحايا طبيب مخ وأعصاب، استولى منه النصاب على 8 ملايين جنيه، كما استولى على 19 مليون جنيه من 3 أشقاء. 80 مليون جنيه حصيلة "نصاب البحيرة" في 29 نوفمبر الماضي، تمكنت مباحث البحيرة، من إلقاء القبض على «مستريح» مركز أبو المطامير، المتهم بالاستيلاء على 80 مليون جنيه من الأهالي لتوظيفهم مقابل الحصول على أرباح شهرية. وتعود أحداث الواقعة لتوافد عدد من المواطنين علي ديوان قسم شرطة أبو المطامير في الأول من مارس الماضي لتحرير محاضر ضد المتهم «سامح.م.ع.ا» الذي وصفوه بالمستريح الجديد واتهامه بالنصب عليهم والاستيلاء منهم على قرابة ال80 مليون جنيه، والهروب من محل إقامته بعدها، وتم تحرر محضر حمل رقم 1980 إداري مركز شرطة أبو المطامير. وقال الضحايا الذين بلغ عددهم حتى الآن 25 شخصًا، إن «المستريح حصل على المبالغ منذ أحداث ثورة 25 يناير، لتشغيلها في تجارة الزيت الرجيع مقابل الحصول على ربح ثابت شهري، وأوضحوا أنهم فؤجئو منذ عدة أيام بهروبه»، وتمكن ضباط المباحث بمركز شرطة أبو المطامير، من ضبط المتهم، وتم عرضه على النيابة لمباشرة التحقيق. مستريح الشرقية استولى على 15 مليون جنيه أعلن مصدر أمنى بمديرية أمن الشرقية، أمس، أن المدرس المتهم بالنصب على المواطنين بمدينة الزقازيق، وجمع منهم 15 مليون جنيه، بزعم تشغيلهم، هرب إلى دولة تركيا. وترجع تفاصيل قضية "مستريح الشرقية"، إلى تلقى اللواء رضا طبلية مدير أمن الشرقية، إخطارًا من يفيد بتلقى قسم شرطة ثان الزقازيق، عشرات البلاغات من المواطنين، تتهم "محمد.ا.ا" مدرس مقيم بالزقازيق، بالاشتراك مع شقيقة "محمد" بالاستيلاء منهم على حوالى 15 مليون جنيه، وزوجته "عبير ع.ع"، بزعم تشغيلهم ومنحهم أرباحًا شهرية، وتم القبض على شقيقه وزوجته، والمحبوسين الآن على ذمة القضية، وبتكثيف الجهود الأمنية والبحث عن المتهم الثالث تبين هروبه إلى دولة تركيا. قانوني: الحل في قانون جديد يحاسب "الضحايا المضاربين" ومن واقع القضايا والتعامل معها في المحاكمة، أكد ياسر سيد أحمد، المحامي بالنقض، على أن طمع الناس وجشعهم وقلة حيلتهم في العمل واستثمار أموالهم، جعلهم يقعون ضحايا نصابين، يستولون على أموالهم بزعم توظيفها، متلاعبين على طمع صاحب المال فى ربح سهل وسريع، فيجمع النصاب الآلاف إن لم يكن الملايين، من كافة هؤلاء ومن بينهم بسيط الحال والموظف والتاجر وحتى أصحاب المراكز المرموقة، وبالطبع لا يمانع "زاعم توظيف الأموال"، تحرير إيصالات أمانة أو شيكات، بأصل المبالغ التي استلمها، أو حتى يتركها دون تحديد قيمة "على بياض" لإغراء ضحاياه. وأكد المحامي، على أن أقصى عقوبة يمكن أن يواجهها متهم نصب على الناس وجمع أموالهم، هي السجن 3 سنوات، لتصنيف تلك القضايا كجنح نصب أقصى عقوبة فيها الحبس 3 سنوات، وعادة لا عقوبات مالية فيها لو كانت أمام الجنح العادية، بينما تقضي المحاكم الاقتصادية أحيانًا بإلزام المتهم برد المبلغ وغرامة بجانب عقوبة السجن، وعادة لا يكون المتهم قادرًا على سداد تلك المبالغ ويقضي فترة سجن إضافية، ولا عزاء لأصحاب المال بعدها، خاصة أن كثير منهم يستمر طمعهم إلى المغالاة والاستمرار في طلب واحتساب الأرباح المزعومة، متناسيًا أصل المبلغ الذي دفعه. وأوضح المحامي، أن مواطن دفع 35 ألف جنيه قد يكون استلم أرباح 15 ألف جنيه، وتأخر "النصاب" فى سداد الأرباح لمدة 7 أشهر، فيحتسب صاحب المال تلك القسمة على المدة بخلاف أصل مبلغ، وهناك من يزعم أنه دفع 2 مليون جنيه، في حين أنه احتسب ذلك المبلغ كأرباح وأصل ما دفعه لا يتجاوز 700 ألف جنيه على سبيل المثال، وكل هذا ليس دفاعًا عن المتهمين بتوظيف الأموال -حسب قول المحامي- لكنه مواجهة بواقع الحال فلا تلك النوعية من القضايا، وهي القضايا التي يكون للمحاكم نظرة فيها، وتجعل الأحكام مخففة، إذ أن القاضي يعلم بفطنته أن تلك الأموال مبالغ فيها، وهو يعلم أيضًا أن المتهم "نصاب لا شك"، فيقضي مثلُا بالسجن عامين، ويحيل المساءل المالية إلى المحكمة المدنية المختصة، و"أجرى أنت وراء دعوتك المدنية!". وسلط المحامي، الضور على الثقة الغريبة المتبادلة بين من تعارف على تسميتهم ب"المستريح" وضحاياه، إذ يسلمونه آلافهم المؤلفة، نظير مجرد توقيع أقصى عقاب فيه 3 سنوات، وذلك طمعًا فى الربح المهول المنتظر بصفة شهرية، بما يدفع المتلقين وهم فى الغالب لا يكونون مستثمرين حقيقيين، إلى المضاربة والمتاجرة في المال والفوائد وليس في مشاريع فعلية، ويأخذون من هذا ويعطون ذلك، حتى يهربوا قبل الوصول للهاوية، فيشعر أصحاب المال أخيرًا بأنهم ضحايا خسروا أموالهم. وشدد "سيد أحمد" على أن "الطماعين" أرض خصبة للنصابين، وأن النصاب لابد أن يسقط، وأنه لا سبيل لتحصيل الأموال منه إلا إذا كان مستثمر فعلى والأموال مدفوعة له بعقد شراكة على المكسب والخسارة، وقال: "لازم صاحب المال يتعامل بعقد رسمي على مشروع معين، ويحتسب له نسبة معينة في الشراكة، ويكون الحساب على الإنجاز والمكسب والخسارة، ويتم تصفيته دوريًا سنويًا، وهذا أمر ينظمه القانون ومعروف ب "شراكة الحصة"، وهذا تشغيل حقيقي للأموال وعمل قانوني، لكن العمل على المكسب دون شراكة على مشروع محدد تعد نوع من المضاربة ولابد في تلك الحالة من احتساب المبلغ المدفوع من أصل الدين، ومعاقبة الطرفين لتكون الخسارة والعواقب على كليهما وذلك بمثابة رادع للطماعين وأصحاب مهنة "المستريح"، علاوة على أن تشريع منظم كذلك من شأنه أن يزيل كم قضايا رهيب من على كاهل المحاكم ووزارة العدل. وأشار المحامي، إلى أن البنوك تعمل على مشاريع واستثمارات محددة، ويديرها اقتصاديون وخبراء محاسبة، وتكون نسبة الأرباح معقولة، وعادة سنوية وليست شهرية، إلا على المبالغ الكبرى في صورة ودائع أو شهادات استثمار، ولها ضوابط محددة بعدم إمكانية سحب أصل المبلغ إلا بعد عدد سنوات معين، مطالبًا بعدم الأخذ بخزعبلات أن التعامل معها حرام، إذا كان أصحاب المضاربات يتعاملون بفائدة شهرية تتجاوز 12% من أصل المبلغ على مشاريع ليس لها وجود ولا يعلمون عنها شيء، مختتمًا حديثه للتحرير: "شغل فلوسك بنفسك، أو أدخل في شراكة على مشاريع حقيقية تابعها بنفسك، وإلا أودع أموالك في البنوك بدلًا من الشكوى أمام أبواب النيابات والمحاكم فيما بعد دون طائل".