نعم، المصريون جميعا مدانون لا نستثنى منهم أحدا، حكومة وشعبا، مسلمين وأقباطا، جميعنا مذنبون على حد سواء، لأننا نبرع فى الكلام، نتفوق فى الإدانة والشجب، نتفنن فى إظهار الأسى والحزن، نتسابق إلى إقامة المآدب فى المناسبات الدينية، ثم نتأنق للظهور على شاشات التليفزيون مسمِّين الأشياء بغير مسمياتها وأعيننا على النظام الحاكم أو على متطرفى الفريق الذى ننتمى إليه وفى بعض الأحيان على أطراف أخرى خارج حدودنا قريبا أو بعيدا، ولكن للأسف الشديد لا يلقى أغلبنا بالًا إلى حقيقة المشاعر الدينية المتعصبة وضيقة الأفق التى ما انفك يتنامى حجمها ومداها وتنتشر فى الثقافة الشعبية انتشار النار فى الهشيم. فعلى من يجب أن ننحو باللائمة فى ما وصلنا إليه ومثاله الأخير ما حدث أول من أمس، أمام كنيسة العذراء بالوراق؟ الإجابه الصادقة، علينا جميعا، فقد أسهم كل منا بشكل أو بآخر فى الوصول إلى هذا الوضع، إما إيجابا أو سلبا، أى إما كفاعلين أو كمشاهدين ولعَمرى فإنى إذا استطعت أن أفهم دور الفاعلين من المتطرفين والإرهابيين الذين لديهم أجنده خاصة لا يعلم بحقيقة أهدافها سوى الله وحده يقومون بتنفيذها بدأب ومثابرة مترقبين كل ثغرة أو خلل لإذكاء نار التعصب والبغضاء بين أبناء هذا الشعب الواحد، فإننى وأيم الحق أعجز عن فهم دور الفاعل الرئيسى فى هذا الصدد ألا وهو حكوماتنا المتعاقبة السادرة فى إنكار حجم المشكلة والمكتفية دائما بمعالجة أعراضها التى تظهر على السطح بين الحين والآخر مثل أعمدة الدخان التى تنذر بانفجار بركانى وشيك الحدوث دون القيام بتصرف إيجابى مفضلة الانتظار حتى تصبح الحمم الملتهبة على عتبات الأبواب لتبدأ فى العمل على إطفاء الحريق بعد أن يكون قد أمسك بأطراف ثيابنا وألقى بنا فى أتون جحيم الصراع الطائفى. وماذا عنا نحن المشاهدين الذين لا يترددون فى ذرف الدموع والتعبير عن اللوعة والحزن واستنكار هذه الأحداث «المؤسفة» التى تعصف بوحدتنا الوطنية وبمضى الزمن وتطور الأحداث أصبحنا نضيف إلى ذلك إبداء الدهشة، وربما كالعادة إطلاق النكات الساخرة، ثم نعود إلى ممارسة حياتنا اليومية مطمئنين إلى استتباب الأمور وأن كل شىء «تحت السيطرة» انتظارا لحدث «مؤسف» آخر نكرر فيه جميعا نفس السيناريو ونلعب نفس الأدوار ببراعة وحرفية اكتسبناها من التكرار الذى يعلِّم «الشطار». ثم ماذا بعد؟! قد يرى البعض أنه لا شىء، فماذا عسانا كمشاهدين أن نفعل؟! وأنا أقول «لا» فكفانا سلبية واستسلاما واستسهالا ولننتقل فورا من خانة المشاهدين إلى مربع الفاعلين، لنقف ونرفض أن نعيش فى ظل هذا الوضع الكارثى، فنحن بالقطع لن نقبل أن نورِّث لأبنائنا وطنًا ضعيفًا فى وحدته وانسجام نسيجه، فمصر كما نعرفها، هى بالفعل «أم» الدنيا فى الحضارة، فى التسامح وفى الفكر المستنير، حيث إن المصريين لم يقودوا محيطهم ومنطقتهم بأموالهم ولا بقوتهم العسكرية أو مواردهم الاقتصادية، بل بأفكارهم الإصلاحية وثقافتهم المستنيرة وقبولهم للاختلاف واحتفائهم بالتنوع. فهل يعجز المصريون عن تحقيق ذلك فى بلادهم؟ وهل يفشلون فى الوقوف صفًّا واحدًا ضد الإرهاب والترويع والفاشية الدينية؟ بالقطع لا، فدعونا نتوقف لنتأمل بروية وحكمة ما نواجهه ونتنبه إلى الهُوَّة السحيقة تحت أقدامنا والتى توشك على ابتلاع الطمأنينة التى طالما تمتع بها هذا الشعب على هذه الأرض، دعونا لا نسدل الستار على ما حدث، آملين أن يختفى من تلقاء نفسه، لأنه لن يحدث، بل دعونا نلجأ إلى المكاشفة والمصارحة دون حساسيات وبالاحتكام لسيادة القانون وتطبيق أحكامه بصرامة لا هوادة فيها، فالاحتقان سيتصاعد طالما اكتفينا بتبنى إصلاحات تجميلية على السطح دون إخراج الأمر إلى العلن، والمسألة أصبحت لا تحتمل التسويف فالأمر خرج عن نطاق التعبير عن مواقف دينية أو طائفية ليهدد أمننا القومى واطمئنان المصريين لبعضهم البعض وإيمانهم بمستقبلهم وعيشهم المشترك، وأصبح هذا الوضع الملتبس يظللنا جميعا بغمامة حالكة السواد تحجب عنا الأمل فى غد أفضل. وعليه فإننى أدعو هنا إلى مؤتمر قومى تمثل فيه كل الأطراف لتسمع بعضها بعضا فى إطار من العقل والموضوعية وشجاعة الاعتراف بالأخطاء والقبول بدفع ثمنها، متناسين مؤقتا خلافاتنا السياسية والاقتصادية ومتذكرين دائما روابطنا الوطنية، مدركين فى أعماقنا أننا لن نعبر هذه المحنة الصعبة نحو مستقبل أفضل إلا معًا مسلمين وأقباطا، ولكن قبل كل ذلك المصريون متوحدون منذ الأزل وحتى قيام الساعة، ولله الأمر من قبل ومن بعد!