تواصلت الاحتجاجات في المغرب، لليوم الرابع على التوالي؛ تنديدًا بحادث مقتل بائع الأسماك محسن فكري يوم الجمعة الماضي. واليوم الثلاثاء، خرجت مسيرات في مختلف أرجاء المملكة للتنديد بالحادث الذي هز البلاد وللمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنه. وتسبَّب مقتل البائع داخل مقصورة معالجة النفايات بشاحنة تابعة لبلدية الحسيمة شمال المغرب في موجة احتجاجات غير مسبوقة. ووقع الحادث عندما احتج "فكري"، وهو من صغار الباعة، على مصادرة السلطات البلدية في الحسيمة شحنة غير مرخصة من سمك "أبو سيف" كان يستعد لتسويقها، ليتم سحقه داخل آلة شفط النفايات بشاحنة تابعة للبلدية بعد محاولته استعادة الأسماك من الشاحنة، حسب "روسيا اليوم". وخرج آلاف المتظاهرين في مسيرات جابت شوارع عدة مدن بينها الحسيمة والرباط والدار البيضاء ومراكش ووجدة وسطات وحملت جميعها نفس المطلب المتمثل في إجراء تحقيق شفاف ونزيه ومحاسبة كل من يثبت تورطه في الحادثة. وأطلق نشطاء مغاربة على وسائل التواصل الاجتماعي حملةً لتعبئة الشارع وتنظيم المسيرات التي وصفت بأنَّها "الأضخم منذ تظاهرات حركة 20 فبراير 2011". ومن بين المسيرات الضخمة التي خرجت كانت تلك المشيعة لجنازة بائع الأسماك في مسقط رأسه بمنطقة إيمدورن التابعة لإقليم الحسيمة شمالي المغرب، وقدر نشطاء عدد المشاركين في تشييع جنازة فكري بحوالي 30 ألفًا. وزادت حدة الاحتقان والغضب التي عمت الشارع المغربي، إثر انتشار مقاطع مصورة للحادث يأمر فيها من وصف بأنَّه أحد رجال الشرطة سائق الشاحنة بطحن بائع الأسماك إذا واصل الاحتجاج على مصادرة أسماكه. ويقول منظمو المسيرات الاحتجاجية إنَّهم لن يتوقفوا عن التظاهر حتى يتم الكشف عن المتورطين في الحادثة ويلقون جزاءهم. وبلغ التصعيد ذروته عندما شبه بعض المغاربة ما حدث لفكري بحادثة إضرام التونسي محمد البوعزيري النار في نفسه؛ احتجاجًا على مصادرة عربة بيع خضار عام 2010 وأدت إلى اندلاع الثورة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي. وتعالت أصوات مطالبة بالثورة على الفساد وسلوك رجال الأمن، حيث يتهم المغاربة من يصفونهم برجال "المخزن" بالمسؤولية عن قتل فكري. لكن علي فكري والد الضحية محسن فكري أكَّد - في تصريحات لوسائل الإعلام المغربية - أنَّه لا يريد أن تكون وفاة ابنه سببًا في "إشعال نار الفتنة" بالبلاد. وقال فكري إنَّه تلقى تطمينات من الجهات العليا في المغرب بأنَّ التحقيق سيأحذ مجراه الطبيعي وستتم محاسبة المسؤولين عن قتل ابنه. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تطالب بالهدوء وضبط النفس والابتعاد عن إثارة الفتنة في المغرب الذي يعتبر من أحد أكثر دول المنطقة استقرارًا أمنيًّا. وانقسم الشارع المغربي بين مطالب بالتصعيد حتى يتم تطهير إدارات الأمن ممن يوصفون ب"المفسدين" وبين من يطالب بتهدئة الوضع وانتظار ما ستسفر عنه نتائج التحقيق في الحادثة. ويعود السبب في هذا الجدل إلى الخلاف حول المسؤولية عن تشغيل آلة معالجة النفايات بالشاحنة بعد دخول بائع السمك إليها لاستعادة شحنة السمك غير المرخصة. وفور بدء الاحتجاجات، أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس تعليماته لوزير الداخلية محمد حصاد بفتح تحقيق سريع ودقيق حول الحادث؛ فيما بدا وكأنه محاولة لاحتواء الموقف. وأوفد الملك وزير الداخلية إلى عائلة فكري لمواساتهم وطمأنتهم بشأن سير التحقيق. وقال وزير الداخلية - في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية - إنَّه عازمٌ على كشف ملابسات الحادث ومحاسبة المسؤولين عنه. وأكَّد حصاد: "من غير المقبول أن يتصرف المسؤولون بهذه الطريقة التي تمثل انتهاكًا لحقوق الناس، والتحقيق يجب أن يحدد ما جرى بالضبط، لكن هناك أشياء نعرفها حتى الآن". وبدأت الاعتقالات في صفوف المسؤولين الأمنيين والإداريين بالحسيمة للتحقيق معهم حول ظروف وفاة بائع السمك. وذكرت وسائل إعلام محلية أنَّ فرقة التحقيقات ستحيل إلى النيابة العامة في محكمة الاستئناف بمدينة الحسيمة ثمانية أشخاص اعتُقلوا على ذمة التحقيق. وتقول المصادر إنَّ من بين الموقوفين سائق الشاحنة وعامليْن كانا على متنها ومسؤول الشرطة الإدارية وطبيب بيطري ومندوب الصيد البحري ومسؤول بمندوبية الصيد، كما استمع المحققون لشهادة أصدقاء لمحسن فكري كانوا حاضرين لدى وقوع الحادث. وقد تمَّ توقيف قائد المقاطعة الرابعة بالحسيمه ونائبه، حيث ستتم متابعة قائد الفرقة وفقًا لنظام الامتياز القضائي الذي يعتبره المغاربة نوعا من الحصانة ضد المحاسبة. وفي انتظار نتائج التحقيق، تسود الشارع المغربي موجة من الغضب والاحتقان؛ وسط مخاوف من أن تتوسع دائرة الاحتجاجات.